الذكرى الثامنة والخمسون للنكبة: اكثر من حكم ذاتي واقل من دولة لا جديد في المقولة بأن النكبة التي حلت بالشعب العربي الفلسطيني في العام 1948 كانت اهم الاحداث المؤثرة على تاريخنا بعد ذلك وعلى مضامين علاقات ابناء الشعب الفلسطيني ببعضهم البعض وعلاقاتهم باليهود ودولة اسرائيل التي اقيمت على انقاض شعبنا وعبر ترحيله واغتصاب حقه في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني. فمع حفظ حقنا التاريخي والاخلاقي في التعبير عن غضبنا واحتجاجنا على ما حصل قبل 58 عاماً وما زلنا نعانيه جراء ذلك وجراء استمرار اسرائيل في التنكر لمسؤوليتها التاريخية والاخلاقية عما حصل آنذاك، بل واستمرارها في الاعتداء يومياً على الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات باتباع الاحتلال والتهويد والقتل والتدمير والاحتجاز وما الى ذلك من صنوف التعذيب الفردي والجماعي، الا اننا يجب ان نفكر في امكانية جعل مناسبة ذكرى النكبة هذه السنة بالذات محطة في عملية التفكير في كيفية تصحيح الانقلاب التاريخي آنذاك واعادة، ولو جزء مما فقدناه، الى المسار الطبيعي والذي يجب ان يتمثل في ايقاف الاعتداء الاسرائيلي واعادة اللاجئين واقامة دولة المساواة والعدالة النسبية لنا ولليهود، وذلك مطلوب بشكل خاص على ضوء التطورات التي حصلت على مستوى القضية الفلسطينية في السنوات الخمس الاخيرة واهمها رحيل الزعيم التاريخي وباعث الحركة الوطنية المتجددة، الرئيس الراحل ياسر عرفات.رغم أن هنالك الكثيرين من المحللين الذين ما زالوا يتطرقون إلى اتفاقيات أوسلو وما تبعها من تفاهمات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الركن الأساس في أية عملية سلام أو اتفاق تاريخي بين الطرفين، إلا انه من الواضح بأن الحالة السياسية التي رافقت المعاهدات والاتفاقيات قد تغيرت تغيرا جذرياً خلال السنوات الأخيرة. الفلسطينيون انتخبوا حكومة ومجلسا تشريعيا بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على خلفية تعثر التطلع إلى إقامة دولة مستقلة إلى جانب إسرائيل (إضافة إلى أسباب سياسية داخلية ليس هنا المكان ولا الزمان للخوض بها)، وعملياً طوى الفلسطينيون من خلال ذلك حقبة أوسلو الانهزامية، التي عادت عليهم بالمآسي والويلات، وأعلنوا جهاراً بداية مرحلة جديدة، متبعين في ذلك الإسرائيليين الذين سبقوهم في طي صفحة أوسلو والتفاهمات المتبادلة منذ قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، ايهود براك، بعملية إفشال متعمد للتوصل إلى اتفاق مرحلي مع الرئيس الفلسطيني في قمة "كامب ديفيد" في صيف عام 2000 وانتخابهم لارئيل شارون الذي تباهى بماضيه الدموي ضد الفلسطينيين، وبكونه لم يقدم على "مصافحة عرفات" رغم انه كان من أقطاب حكومة نتنياهو ومن طاقم المفاوضات الإسرائيلي خلال الأعوام 1996-1999. لقد قاد شارون، بدعم مطلق من الإدارة الأمريكية وبتواطؤ أوروبي وتخاذل عربي مريب، المشروع الجديد لإسرائيل متعمداً الابتعاد عن أية مفاوضات رسمية مع الفلسطينيين، حتى بعد وفاة عرفات وتسلم محمود عباس "الايجابي"، لمقاليد الحكم، وإقامة سلطتين متناقضتين في الأراضي المحتلة: سلطة عباس، المرضي عنها إسرائيليا وأمريكيا وأوروبيا، وسلطة حماس، المحاصرة دوليا وعربيا وإسلاميا، ونجح شارون في وضع قواعد "لعبة" سياسية جديدة مبنية على أساس التحكم بالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المهيأ للاحتلال، من غير دفع ثمن إنهاء الاحتلال نهائياً وبعيداً عن تنفيذ الاتفاقيات والقرارات الدولية، وخصوصاً فيما يتعلق بعودة اللاجئين أو تعويضهم حسبما يتطلب من قرار الجمعية العامة 194. وللتذكير فقط، فإن شارون أعلن عن نيته القيام بما اسماها تنازلات مؤلمة، ولكنه رفض أن يعلن عن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي احتلتها دولته في عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967. بكلمات أخرى، شارون سعى إلى إنهاء السيطرة الفعلية على الشعب، ولكنه رفض الإعلان عن إنهاء التمسك بأرض ليست له ولا لدولته، أو فلنقل بعبارات واضحة وصريحة: شارون أراد التخلص من السيطرة على الشعب الفلسطيني، ولكنه بموازاة ذلك آمن بأنه يجب أن يواصل التحكم بالأرض، وهذا عمليا ترسيخ للاحتلال المقيت بأساليب وألاعيب انطلت على العالم، وعلى حفنة من المتنفذين في القيادة الفلسطينية، وليس سرا ان محمد حسنين هيكل قال مؤخرا ان شارون هو اخطر زعيم إسرائيلي بعد دافيد بن غورريون.وبعد الانتخابات التشريعية الاخيرة في آذار (مارس) الماضي بات جلياً بأن ايهود اولمرت والحكومة الإسرائيلية الجديدة سوف يسيران على خطى شارون في مسألة الانسحاب من غزة باتجاه الاستمرار في الانسحابات من اجزاء من الضفة الغربية والتنازل عن مستوطنات كولونيالية نائية في الضفة الغربية وتسريع بناء جدار العزل العنصري، من غير الاخذ بضرورة مفاوضة الفلسطينيين، مدعياً، أي اولمرت، بأن حماس هي "حركة ارهابية" ولا يمكنه التفاوض معها، وبذلك فان اسرائيل سوف تسعى عن طريق تنفيذ خطة "الانطواء" او "التجميع" الى اقامة "نظام فصل" من غير التوصل الى تسوية تاريخية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبالتالي سوف يقام كيان فلسطيني منقوص يمكن وصفه بأنه "اكثر من حكم ذاتي واقل من دولة". وهذا الكيان المشوه، الذي لا يحقق آمال وطموحات ابناء الشعب العربي الفلسطيني، يتلقى الدعم من ما يسمى المجتمع الدولي، فوزيرة الخارجية الامريكية، السيدة كوندوليسا رايس، اعلنت بان بلادها ستعترف بالحدود الجديدة التي تسعى الحكومة الاسرائيلية التي حصلت امس على ثقة الكنيست الى ترسيمها من طرف واحد، وحسب مصادر امريكية واسرائيلية متطابقة فان اوروبا ستحذو حذوها، أي ان الدولة العبرية فرضت اجندتها السياسية في "حل" القضية الفلسطينية، على العالم، الذي بات يلعب دور المتفرج الحيادي أمام الحصار المفروض على اخوتنا في الضفة والقطاع. هذه المعادلة الجديدة سوف تؤزم بطبيعة الحال الوضع الفلسطيني، وبسبب خطورة تداعياتها واسقاطاتها على ابناء شعبنا بشكل خاص وعلى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، يجب ان تدفع الفلسطينيين نحو حلول بديلة للدولة المستقلة، أهمها التفكير في طرح الدولة الواحدة، ثنائية القومية، كحل سياسي واخلاقي لنا ولليهود، حل يكون اداة لتصحيح، ولو جزئي، لما حل بنا قبل 58 عاماً، ولعودة اللاجئين، لان العودة أهم بكثير من الدولة، وايضا لوضع حد نهائي لنظام الفصل والسيطرة والتهويد الذي تتبعه اسرائيل ضد كل ابناء الشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات. بناء على ما تقدم، تعالوا نجعل من احياء ذكرى النكبة مناسبة وطنية للانطلاق نحو مستقبل افضل لنا ولهم.
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio