التقى عقربا الساعة على منتصف الليل التقاء شقي المقراض ليجهزا على يوم آخر من أيام حياته. كانت الساعة العتيقة تطلق دقاتها في تراخ وكسل وهو في غمرة أفكاره غير المستقرة كأوراق الخريف في مهب الريح بينما أوراق الشجر تتهامس فيما بينها في ثرثرة لا تنقطع وسعي الغيوم اللا متناهي وهي تحبس نور البدر الساهر في الاعالي, تنزلق كوشاح حريري ناعم على اكتاف مدينته الوادعه والعصافير جادة في محاولتها أن تحث النهار على الاستيقاظ والبرق يطعن الارض بنصل لامع بين لحظة وأخرى بنحو يوحي بوقع رمح اخيلس الاسطوري وهو يهوي على صدر هكتور بن بريام المنكوب وهيكوبا الملكة الثكلى, وصرخات الرعد كأنها تسترجع صيحات كاسندرا الفاتنة والمحارب البطل يهوي على مرأى من عينيها الدامعتين فوق اسوار طرواده. بدأ اليوم وضيئا مصقول الحواشي كثمرة شُقت لساعتها. والفراشة الحيرى التي شاطرته سهاده وهي تحوم حول مصباحه دونما هدف, أخلدت لسباتها, فعاد يسامر وحدته والأفكار تتصارع في أعماقه كموجات متلاطمة في بحرعاصف ساعة غضب بوسيدون اله البحار الزاخره. وفي غمرة هواجسه, تسلل طيفها خلسةً الى مخيلته ليعلن الهدنة في عراك طال امده وعلا غباره بين أفكاره المتلاحمة حتى تهاوى للسقوط من فرط وهنه وضعف حيلته وشدو العصافير الذي امتزج بجلبة الشارع ينعى فناء الليل الذي بدأ السحر يشقه وحبال نور الفجر القانية كأنها دماؤه التي اراقتها مديات اليوم الجديد. لن ينسى اليوم الذي صادفها به وهو يقصد قلب المدينة المزدحم بالمارّة في نهارٍ خال فيه للحظة أنه عثر لا محالة على ضالته.
أما هي...
فيذكر أنها كانت تمشي الهوينا كأنها تتقي جمارا تناثرت في دربها, رأها في قلب نهار ذلك اليوم وهي ترتدي ثوبا يبعث الحرارة في كل امرىء ما عداها, ممشوقة القوام واثقة الخطى تمشي بأنفةٍ كأنها العلم, تلف نفسها في ثوب محبوك من الرضى عن النفس لا ينفذ منه شيء عدا الايحاء بهالة القدسية, لها وجه رقيق كضوء الشموع تتراقص ابتسامتها بخوف مثل مصباح كهربائي مخلخل وشعرها المتهدل المنساب كجدول محفوف بالايك وبالسنديان يتغنّى خريره بدفء نسمات الربيع التي تراقصت لها الازاهير وسبّحت لها اليمامات على الأغصان, يلوّح له مودّعا وهو يطلق للريح كل الحرية في أن تداعبه في دلال غير ذي خجل ينمّ عن نبلٍ وأصالةٍ وفي عينيها الرائعتين الموروثتين من أفروديتا بريق سحري يخلب اللب تماما مثل الذي يظهر في بحيرة يسبح في لياليها القمر أو كعيني اللبؤة المنتصرة التي ظفرت بفريستها وهصرتها دون اشفاق, وعلى شفتيها ارتسمت ابتسامة كأنها قصيدة غزلية تبوح بأبلغ معاني الرقة والحنوّ.والعطر الذي انبعث من خلالها بث في فضاء الناس لغز الورود الكامن في بتلاته الرقيقة. لقد انطلق الفؤاد مبتهجا بالسرور وبالاهازيج, فلقد وقعت عيناه على شبيهة اندروميدا الفاتنة التي هام بجمالها بروسيوس المحارب الذي أهلك ميدوزا البشعه.
خفق القلب يومها...
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });بدأ يستجمع شظايا شجاعته المزعومة المتناثرة على الارصفة التي ارتشفت بهدوءٍ خيوط الضوء من المصابيح الهزيلة العاطفة على الطرقات الحالمه, كي ينطق ويعبر, دون أن يزلّ (كعادته) ويقول...
ماذا عساه يقول ؟! كم سيبدو غبيأً عندما يخبرها بانها جميله !!. الموقف يحتم قدراً من اللباقه والشاعريه, فلربما قال لها (مثلا) أنها البدرُ يسعى فوق الاسفلت. ما أسخفه !!. من الارجح أن نصف سكان الكون قد استنفذوا مثل هذا الكلام المبتذل, بحيث سيبدو مثل بائع الخيار الذي يغازل بضاعته أمام زبائنه. ماذا لو أخبرها ببساطه أنه مبهور بسحرها...
وبينما هو في حيص وبيص من أمره, تتراماه أكف الحيرة وهو ينتقي التعابير بشغفٍ ليعبر عن وقع سحرها على كيانه, وإذ بها ترسل سهم عينيها صوبه لتصوغ ذات الابتسامة الناعمه, وإلى مسامعه تواردت كلماتها: "إقترب, لا تخجل, سأسعدك وسأراعيك في الثمن..."!!.
ود لحظتها لو لم يرها. ما أقسى شعور المرء بأنه مغفل مخدوع. كان وقع الصدمة كالصاعقة. لملم أشلاء ما تسنّى من ارادته وحيلته وخيبته, وعاد أدراجه يتسكع بحثا ً عن سراب الطّهر ووهم النقاء في شوارع المدينة الصاخبه, وتلاشى سحر اساطير الاغريق, وتبخرت الشاعرية, وبدأ ساعتها يحتسّ رائحة الماء الآسن وأوعية القمامة التي تنبعث منها النتانة على الارصفة العفنه, وطفق يسبح في بحر وجوهٍ جامدةٍ من قطعان البشر...
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio