عندما يحل الليل أتذكر دوما تلك الأصوات المخيفة والمرعبة التي تصدرها جنازير الدبابات الإسرائيلية التي تدخل القرية من كل حدب وصوب وسط إطلاق كثير للنيران وصرخات النساء والأطفال الذين يفرون من نومهم، كما اذكر دائما عندما يحل الليل ذلك المشهد الرهيب عندما غرقت القرية بالمياه العادمة الناتجة من برك الصرف الصحي المحيطة بالقرية... أتذكر كثيرا كيف غرق الناس ومات من مات منهم ونجي من نجي.هذا هو جزء من حديث المواطن حامد أبو جابر من سكان قرية أم النصر البدوية الواقعة شمال قطاع غزة، حيث إن هذه القرية ملاصقة للحدود الشمالية من القطاع ومعرضه بشكل يومي للعدوان والتوغل الإسرائيلي والقصف وإطلاق النار كما أنها معرضه لخطر المياه العادمة التي تفيض عليها من أحواض الصرف الصحي الملاصقة لها والتي تأتي من مدينة غزة.
مشهد من قرية ام النصر عندما غرقت المواطن حامد أبو جابر الذي يعيل أسرة مكونة من ثمانية أفراد بالإضافة إلى والديه لا يملك أية فرصة للعمل أو مصدراً لكسب العيش، ويحاول دوماً إيجاد ما يقتات به أبناؤه وأسرته عبر عمل متقطع ومنخفض الأجر.وقال إنه يجلس دائما على طريق القرية هرباً من منزله بعد أن حاصرته طلبات أسرته وهو لا يستطيع تلبيتها، لكنه يحاول التفكير في إيجاد ما يلبي قليلا من حاجة أطفاله.وأضاف: "الظروف في القرية متردية وسيئة، فإلى جانب البطالة والفقر نعاني من خطر دهم الاحتلال لمنازلنا، موضحاً أنه يسكن الجزء الشمالي من القرية التي غالباً ما تتعرض لاعتداءات الاحتلال".وأشار "أبو جابر " إلى أن منزله غير آمن من اعتداءات الاحتلال المتمثلة بإطلاق النار والقذائف، أو حتى الدهم في أوقات الليل، لافتاً إلى واقعة دهم منزله قبل نحو شهر واعتقاله لساعات.
دبابة اسرائيلية في القريةوبدا التأثر على وجه أبو جابر وهو يتحدث عن الظروف التي تمر بها أسرته، بسبب التخوف من الاحتلال تارة، والفقر الذي ينهش أجساد أطفاله تارة أخرى.وقال: "أدى الفقر إلى حرمان ابنتي من الذهاب إلى المدرسة في المرحلة الثانوية والجامعة بسبب تكاليف الرسوم والنقل والدراسة، معتبراً أن ذلك قلل نسبة المصروفات التي تحتاجها أسرته".وتعتاش هذه الأسرة على تربية بعض الدواجن وبيعها، والعمل بشكل متقطع بالإضافة إلى المساعدات من الجهات الرسمية والأهلية. ويتحدث أبو جابر عن معاناة سكان القرية بسبب استمرار أحواض تجميع المياه العادمة بالقرب من قريتهم.وقال: "ننظر كل يوم إلى هذه المياه التي تزداد وتحاصر منازلنا حيث لا يتدخل احد لمنع هذا الخطر مشيرا إلى أن كارثة غرق القرية حاضرة في نفوس السكان طالما بقي خطر تكرار الطفح مرة أخرى".ويشير المواطن أبو جابر بيديه إلى آثار كارثة غرق القرية ويشير إلى البيوت المدمرة وكذلك إلى البيوت المصنوعة من الصفيح والأقمشة المقامة في الأرض المقابلة للقرية من الجهة الشرقية حيث تأوي من تم تشريدهوقال أبو جابر إن منزله كان بعيداً عن الكارثة التي وقعت في القرية، إلا أنه تأثر بما حل بهؤلاء المواطنين، سيما وأن من بينهم أقرباءه. ومع قيام قوات الاحتلال بالتوغل المفاجئ شمال وشرق القرية في بعض الأحيان، واستمرار خطر فيضان هذه المياه على منازلهم، سيبقى مواطنو القرية البدوية محاصرين، يهددهم الموت من فوهات بنادق الاحتلال، أو غرق منازلهم بالمياه العادمة، والفقر والعوز في جميع الحالات. من جهته يقول زياد أبو فرية رئيس مجلس أم النصر إن استمرار مشكلة الأحواض يهدد سلامة السكان كما يقول أبو فريه إن خطر الاحتلال الإسرائيلي مستمر أيضا ويهدد القرية بسبب القصف اليومي، وأشار أبو فرية إلى انتشار ظاهرة البطالة والفقر بين سكان القرية، وزيادة متطلبات أسرهم بسبب استمرار الأوضاع الاقتصادية والمادية السيئة، وقال: "يقضى معظم الرجال أوقاتهم متنقلين من مكان إلى آخر دون عمل أو مصادر للعيش".وهكذا فان قرية أم النصر تعيش تحت خطر الاحتلال الإسرائيلي وخطر المياه العادمة ووسط ذلك الفقر الذي يعيشه السكان هناك.