مقالات

إبراهيم صرصور:اتفاق القاهرة ولعبة شد الحبل

كل العرب 14:49 14/07 |
حمَل تطبيق كل العرب

إبراهيم صرصور في مقاله:

استغربت جدا من تمسك الرئاسة الفلسطينية بالسيد ( سلام فياض ) مرشحا وحيدا لرئاسة الحكومة

لا يمكن فهم التمسك ( بفياض ) ، رغم ما يعنيه هذا التمسك من إفشال لجهود المصالحة وضرورة إنجازها في أقرب وقت ممكن

لن ننسى التهديدات التي صدرت بعد الانتخابات مباشرة من بعض قيادات فتح ، التي دعت إلى التمرد المعلن والخفي لقادة الأجهزة الأمنية والمدنية في الضفة

لا بديل أمام القيادة الفلسطينية، إلا تجاوز الاحتقان الجديد والعمل على تجاوزه من خلال تقسيم ذكي للأدوار يُعطى كل طرف فيه ما يخدم المصلحة الفلسطينية العليا

فرحنا كثيرا بتوقيع اتفاق المصالحة في القاهرة بين فصائل المجموع الوطني الفلسطيني وعلى رأسهم فتح وحماس ... توقعنا أن يبدأ الأطراف بتنفيذ الاتفاق دون إبطاء على قاعدتي الوحدة الوطنية كفريضة شرعية وضرورة سياسية وحاجة وجودية من جهة ، والثوابت الفلسطينية في ظل تعثر مفاوضات السلام بسبب سياسة الرفض الإسرائيلية وتخلي إدارة ( أوباما ) عن دورها في ضبط إيقاع عملية المفاوضات على أسس عادلة ومنصفة ، من جهة أخرى.

مربع التأزم وانسداد الأفق

ما يجري منذ توقيع الاتفاق وحتى الآن من مد وجزر وإقدام وإحجام وقبض وبسط وإقبال وإدبار ، ينذر بعودة الأمور إلى المربع الأول ، مربع التأزم وانسداد الأفق ، والذي يعني الوقوع مرة أخرى في فخ الأوهام السياسية والتنظيمية على حساب مستقبل فلسطين وشعب فلسطين. كَثُرَ الجدل مؤخرا حول من يكون رئيس الوزراء للحكومة المؤقتة اللاحزبية التي تم الاتفاق على إقامتها ... استغربت جدا من تمسك الرئاسة الفلسطينية بالسيد ( سلام فياض ) مرشحا وحيدا لرئاسة الحكومة ، بحجة أنه الجهة الوحيدة المقبولة على أمريكا والجهات الغربية ، والوحيد القادر على تجنيد الأموال للإبقاء على السلطة الفلسطينية على قيد الحياة ، الأمر الذي ترفضه حماس لأسباب موضوعية ، كما وترفضه أغلبية الفصائل الفلسطينية وحتى أوساط واسعة في حركة فتح.

تقديم التضحيات

document.BridIframeBurst=true;

var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });

فوق ما يشكله إصرار الرئاسة الفلسطينية على سلام فياض من مس بشخصية فياض ذاته ، خصوصا وأن القبول لدى الدوائر الأمريكية والغربية عاد وصمة عار ثارت الشعوب العربية في أكثر من بلد وما زالت تقدم التضحيات ، من أجل إسقاطها لما تمثله من حالة ارتهان جَرَّت على شعوبنا الويلات وفرضت عليها التخلف في كل المجالات ، وجرأت إسرائيل على الوثوب على العرب حتى ما عات تقيم لهم وزنا ، فإن هذا الإصرار فيه قدر غير قليل من الاستهانة بالشعب الفلسطيني وقدراته وكفاءاته ، وكأن أحدا من كفاءات هذا الشعب سوى ( فياض ) لا تستطيع أن تتبوأ منصب رئيس الوزراء ، وهذه فرضية غير مقبولة شكلا وموضوعا ... الشعب الفلسطيني فيه من القدرات ما لا يخفى على أحد ، وعلى القيادة أن تتفق على شخصية تكنوقراطية / مهنية تلتقي فيها كل المعايير المطلوبة لهذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الشعب الفلسطيني ... لا يمكن فهم التمسك ( بفياض ) ، رغم ما يعنيه هذا التمسك من إفشال لجهود المصالحة وضرورة إنجازها في أقرب وقت ممكن ، الأمر الذي سيضع الشعب والقضية على الطريق الصحيح في مواجهة تحديات مرحلة ما بعد فشل المفاوضات العبثية ، ونجاح الثورات العربية ، وانطلاق مشروع النهضة الشامل على مستوى الأمة ... لا مبرر أبدا للموقف المتمسك ( بفياض ) خصوصا وأن الغرب وأمريكا قد تخلت رسميا عن الشعب الفلسطيني ، وليس أدل على ذلك من فشل ( الرباعية ) الدولية من التوصل لبيان متفق عليه بعد اجتماعها الأخير في أمريكا ، إضافة لقرار الكونغرس الأمريكي تخفيض المساعدات للسلطة إذا ما تمسكت بالمصالحة ، وإبلاغ الإدارة الأمريكية للسلطة رسميا رفضها لخططها حول مشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، واستعمالها لحق النقض ( الفيتو ) في حال تقدمت السلطة بالمشروع إلى مجلس الأمن الدولي ... ما بقي إذا للسيد رئيس فلسطين حتى يتمسك ( بفياض ) رغم ما يراه من نتائج مدمرة لمشروع المصالحة إن هو ظل مصرا على ذلك.

تشوهات عميقة

هذه التطورات التي ألقت بظلالها على مجمل المشهد الفلسطيني ، والذي شهد هو أيضا تشوهات عميقة منذ عام 2007 ، لا يمكن إلا أن تحرك كل الفرقاء للعمل الجاد على معالجتها والتحرر من نتائجها المأساوية بالسرعة القصوى . لا شك أن الأعراض الجانبية لأحداث غزة والضفة ، رغم المرارة التي سببتها لكل مُحِبٍّ للشعب الفلسطيني ومخلص في خدمة قضيته ، يجب ألا تدفع ألقيادة إلى مزيد من التشدد والتمترس من وراء مواقفها ، فهي مطالبة فعلا وبكل صدق بأن تتسامى فوق الجراح والأوجاع ، وأن تشرع في حوار مسؤول ينقل الشعب الفلسطيني إلى أجواء أكثر صحية ، تأسيسا لمرحلة جديدة مثمرة تفتح أبواب الأمل وتُزيل حالة التصادم التي أدخلت الكثيرين إلى نفق مظلم من الإحباط واليأس . لن ننسى أبدا أن الشعب الفلسطيني وفي إطار انتخابات ديموقراطية ، حرة ونزيهة ، قد قرر منح ثقته الكاملة وغير المنقوصة لحركة حماس التي حصلت على حصة الأسد في المجلس التشريعي وكذلك في البلديات والمجالس المحلية. لن ننسى كذلك أنه كان من حق حماس أن تشكل الحكومة الفلسطينية وإدارة شؤون الشعب الفلسطيني بناء على برنامجها السياسي ، والذي كان في صلبه القضاء على الفساد الذي استشرى في مؤسسات السلطة ، وإنهاء حالة الانفلات الأمني الذي تسبب في معاناة لا تطاق لشرائح واسعة من الفلسطينيين. لن ننسى كذلك المشاهد التي دلَّت على أن حركة ( فتح ) وإن قبلت ظاهرا بنتائج الانتخابات ، إلا أن كثيرا من قياداتها السياسيين والعسكريين قد بيتوا النِّيَّةَ على إفشال الحكومة الفلسطينية بعدما رفضوا الدخول مع حماس في حكومة وحدة وطنية .

أزمة الفلتان الأمني

لن ننسى التهديدات التي صدرت بعد الانتخابات مباشرة من بعض قيادات فتح ، التي دعت إلى التمرد المعلن والخفي لقادة الأجهزة الأمنية والمدنية في الضفة والقطاع على القيادة الشرعية ورفضها المتواصل التعاون معها كما ينص عليه القانون ، حتى أصبحت حكومة حماس ووزراؤها عاجزين عن تنفيذ أي قرار وفي أغلب الوزارات والأجهزة المدنية والأمنية ... لقد تصرف قادة فتح وموظفوها الذين شكلوا أكثر من 90% من أجهزة السلطة ، على أنهم دولة في داخل الدولة وحكومة في داخل الحكومة .... لقد كانت أزمة الصلاحيات والولاءات السِّكِّين الذي نحر في عنق الشرعية الفلسطينية ، والذي مهد إلى حد كبير إلى ما آلت إليه الأمور.

لن ننسى صبر حركة حماس على هذه الأجهزة وهذه القيادات التي عاثت في الأرض الفساد ، والتي قدمت لجانٌ خاصة في المجلس التشريعي منذ سنوات طويلة وفي عهد المرحوم ياسر عرفات ، وقبل دخول حماس ، تقارير طالبت بمحاسبة ومحاكمة من سرقوا أموال الشعب وعرَّضوا أمنه وكرامته للخطر من مسؤولين في السلطة وعلى جميع المستويات ، مشيرة بوضوح إلى قائمة طويلة من الأسماء . إلا أن الوعود بتنفيذ هذه التوصيات ذهبت أدراج الرياح وأغلق الملف ، بل ورُّقي كثير ممن وردت أسماؤهم في قوائم الفساد السوداء ، وتقلدوا أرفع المناصب الرسمية والشعبية . لقد سعت حكومة حماس العاشرة وحكومة الوحدة الوطنية بعد اتفاق مكة إلى حل أزمة الفلتان الأمني وتمرد الأجهزة وتجاوزها حدود صلاحياتها بشكل سلمي ، ودعت كل الأطراف على المستويين الوطني والإقليمي إلى التدخل الفوري لتصحيح الوضع وتطهير الأجهزة وبنائها على أسس وطنية مهنية بعيدا عن الفصائلية والفئوية ، إلا أن شيئا من هذا لم يتحقق ، مما جرَّأ بعض القيادات الأمنية إلى التمرد العلني على الحكومة ووزراء داخليتها حتى في حكومة الوحدة الوطنية الحادية عشرة.

فضحت كثير من الأسرار

لقد كشفت الأحداث منذ أزمة الانفصال عام 2007 وحتى الآن كثيرا من الصفحات ، وعَرَّتْ كثيرا من الرموز ، وفضحت كثير من الأسرار . كم كنا نتمنى أن يضع اتفاق القاهرة حدا فاصلا بين ذلك الماضي على ما فيه من أهوال ، وبين حاضر تبنيه القوى الطاهرة والمخلصة من فتح وحماس وباقي الفصائل ، متجاوزين كل أخطاء الماضي بغض النظر عمن كان على حق ومن كان على باطل ، وهذا ما جاء واضحا في خطاب السيدين ( أبي مازن ) و ( مشعل ) في احتفال التوقيع ، حتى ظننا أن عهدا جديدا قد بدأ في تاريخ الفلسطينيين.

حسن نوايا الرئيس

لا يمكنني مع ما ذكرت ومن خلال تجربتي الشخصية إلا أن أعترف بأنني لا أشك أبدا في حسن نوايا الرئيس الفلسطيني ( أبو مازن ) وكذلك بالطبع في نوايا رئيس المكتب السياسي لحماس ( خالد مشعل ) ... لا أشك أيضا في إخلاصهما للقضية الفلسطينية وإيمانهما بعدالتها وحرصهما على نجاحها ... إلا أنني لا أستطيع أن أفهم سلوك الرئاسة الفلسطينية الذي يمكن أن يفشل مشروع المصالحة برمته ، كما لا يمكنني التحرر من الشعور وكأن قوى خفية ما تزال تدفع بها إلى الوراء ، رغم أن الظروف الموضوعية التي تمر بها القضية يجب أن تدفعها في اتجاه التسريع بإنجاز المصالحة والاتفاقات ذات الصلة بمعزل عن رأي العالم الذي لم يقدم للشعب الفلسطيني إلا الوعود الكاذبة والسراب الخادع .. قبول ( حماس ) بالتنازل عن حقها في إدارة شؤون السلطة ( الدولة !!! ) بموجب نتائج الانتخابات ، وقبولها بحكومة كفاءات لمدة عام تعد لانتخابات تشريعية ورئاسية ، يعتبر تضحية كبرى ، كنت أتمنى أن تلقى التعاون الفعلي لا ألقولي فقط ، لتجد طريقها إلى أرض الواقع.

الخلاف على اسم رئيس الوزراء

حالة التذبذب التي يعيشها الشعب الفلسطيني بسبب الخلاف على اسم رئيس الوزراء وهو الخطوة الأولى في اتجاه التوافق على أسماء الوزراء والخطوط العريضة للحكومة القادمة ، يعيدنا للعيش تحت كابوسٍ ظننا أننا تخلصنا من تنغيصه القديم ، بينما هو يطل علينا من جديد برأسه الأشعث مهددا مشروعنا بخطر كبير وشر مستطير ... أعترف أن المسألة لم تكن أبدا سهلة أو يسيرة لوجود معوقات عند طرفي المعادلة وذلك باعتراف الجميع ... لا أستطيع – عدالة - إلا أن أضع قرارات الرئيس أبو مازن في سياق قناعاته المشروعة مهما اختلفنا أو اتفقنا معها ، والتي تستدعي العودة بالشعب إلى مربع العمل المشترك بعيدا عن ( الثارات !!! ) الجاهلية ( والأنا !!!! ) الفصائلية ، وتقديم المصلحة العليا لفلسطين والشعب الفلسطيني على ما سواها ... لكن أن أين هذه المصلحة من الإصرار على ( فياض ) ، وهو الرجل الذي اختلفت حوله الآراء بغض النظر عن تقييمنا له ... لقد كان من الواجب القبول بتنازل السيد ( فياض ) الطوعي عن ترشيح نفسه أو ترشيحه للمنصب ، تسهيلا لمهمة البحث عن مرشح بديل مناسب لا يعتبر ( عدوا !!! ) لأمريكا ومبغوضا منها ، إلا إذا كان هنالك من يتعقد أن الشعب الفلسطيني كله ( مبغوض ) أمريكيا ، إلا السيد ( فياض ) ، الأمر الذي لا أرضاه ( لفياض ) ولا لغيره من الفلسطينيين ... بُغْضُ أمريكا أو حبها ، لا يجب أن يكون المعيار لاختيار قياداتنا ، فهذا أمر لا يكمن أن تقبل به دولة أو سلطة تحترم نفسها.

حالة الاحتقان

لا بديل أمام القيادة الفلسطينية ، إلا أن تتجاوز حالة الاحتقان الجديدة هذه والعمل على تجاوزها من خلال تقسيم ذكي للأدوار يُعطى كل طرف فيه ما يخدم المصلحة الفلسطينية العليا ... لا جدوى من سياسة شد الحبال ، كما انه لا جدوى من الرجوع إلى الوراء ، وإنما الجدوى كلها في توزيع جديد للأدوار ، وصياغة مبدعة لنمط سياسي يستفيد من التجربة الماضية بما يخفف الضغط على الشعب الفلسطيني ، ولا يكون ذلك إلا من خلال التنفيذ الأمين والدقيق وغير المتحايل لاتفاق القاهرة.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.

لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة المستخدم. هل تسمح؟

عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا

الخامس +1 234 56 78

فاكس: +1 876 54 32

البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio