لمى مرجية في مقالها:
لنتذكّر أنّ ما يقولُ فلان لا يعبّر إلّا عن نفسه ولا يشملُ غيره وليكن الردُّ نابعٌ عن أخلاق فهو تعبيرٌ عن الذات قبل أن يكون موجّهًا إلى الآخر
بعضُ الكلمات المُتسرّعة أدّت إلى إشعال فتنة، سارعَ أصحابُ العقول النيّرة إلى إطفائها بشتّى الوسائل العقلانية المُتشبّعة بمحبّة البلد، وبتكاتفِ أهلها على مرّ الزمان
استخدام وسيلة التواصل الاجتماعية "الفيس بوك" باتت منبرًا لنشر آراءٍ متّسخة تنقلُ لقرّائها ميكروبات الضغينة والحقد، فتخلقُ جوًّا مشحونًا يبعثُ بشراراته العشوائية المؤذية إلى أبعادٍ كثيرة
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });كلُّ ما أتمناه هو أن نُحافظ على بلدنا نظيفة، طاهرة ومقدّسة وأن نبتعد عن تشويه ماضينا بكلّ ما يحمله من عبق أجدادنا وأوليائنا، وحاضرنا بكلّ ما يفوحُ من شغفٍ واشتياقٍ للفرح والسعادة
بدايةً لقد استلهمتُ كلماتي ممّا حدثَ في الناصرة، بلدي الغالية، منذ عدّة أيّام... فاستخدام وسيلة التواصل الاجتماعية "الفيس بوك" باتت منبرًا لنشر آراءٍ متّسخة تنقلُ لقرّائها ميكروبات الضغينة والحقد، فتخلقُ جوًّا مشحونًا يبعثُ بشراراته العشوائية المؤذية إلى أبعادٍ كثيرة...
لقد ميّزنا الله بعقولنا، والتطوّر يشهد لهذه القدرة الإنسانية الكبيرة، ولكن إذا غيّر الإنسان من اتجاه تفكيره، واستغل قدرته هذه بهدف أذيّة غيره، حينها تتحوّل النعمة إلى نقمة، ويتجرّد الإنسانُ من كينونته الإنسانية بكلّ ما تحويه من محبّةٍ وتسامحٍ وعطاء، ولكن لو تفكّر الإنسانُ لبضعِ ثوانٍ بما قد يقول أو يتصرّف، فباستطاعةِ كلٍّ منّا أن يُنقذَ البشرية من كارثة، فهذا الوقتُ الوجيزُ كفيلٌ بتهدئة أيّة نارٍ مشتعلةٍ في أعماقنا، لتعود النفسُ الطاهرة إلى أصلها، متخلّصةً من كلّ الضغائن والملوّثات، لهذا نقول إنّ العجلة من الشيطان، لأنّها تحملُ معها كلّ صفاتِ الشيطان السّيئة، وتؤدّي بسذاجتها إلى حرق الأخضر واليابس دون امتلاك القدرة على ردعها أو صدّها.
الكلمات المُتسرّعة أدّت إلى إشعال فتنة
ما حدثَ في الفترة الأخيرة، هو خيرُ مثالٍ لما أقول، فبعضُ الكلمات المُتسرّعة أدّت إلى إشعال فتنة، سارعَ أصحابُ العقول النيّرة إلى إطفائها بشتّى الوسائل العقلانية المُتشبّعة بمحبّة البلد، وبتكاتفِ أهلها على مرّ الزمان. فلو فكّر ناطقُ هذه الكلمات، لبضع ثوانٍ، بما قد تُحدِثُ أصداؤها، لتراجعَ عن فعلته الشنعاء تلك، حِفاظًا على احترام أهلِ بلده، واحترامًا لنفسه أوّلًا وقبلَ كلِّ شيء. لكن بموتِ الضميرِ يموتُ الإنسان بكلّ ما فيه من جسدٍ وروح، فتفوحُ منهُ رائحةُ جيفةٍ كريهةٍ، تتحلّلُ لتملأَ البيئةَ حولها بالأمراض، وهذا تشبيهٌ مُناسب، يخلقُ صورةً ملائمةً للإنسان ذي الضميرِ الميّتِ، والذي يقومِ بأفعالٍ وحشيّة ليؤذي الناس.
مُصطلحُ "الطائفيّة" باتَ منتشرًا بصورة كبيرة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعية، وكمّا اعتدتُ في دراساتي العُليا، أن أبحثَ أوّلًا عن المعنى القاموسي أو التعريف المُتداوَل على ألسنة العلماء، وما وجدته هو التالي: "الطائفيّة هو مفهوم مشتق من (طاف، يطوف، طواف، فهو طائف) فالبناء اللفظي يحمل معنى تحرّك الجزء من الكل دون أن ينفصل عنه بل يتحرك في إطاره وربما لصالحه. والطائفية هو انتماء لطائفة معينة دينية أو اجتماعية ولكن ليست عرقية فمن الممكن ان يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة بخلاف أوطانهم أو لغاتهم"، لهذا نرى بوضوح أنّ التعريفَ خالٍ من الجذور السالبة، بل على العكس فانّهُ يحملُ في طيّاته أهدافًا موجبة، ولكن ما حوّل مصطلح "الطائفية" إلى كلمة محقونة بالشرّ ووضعها في قاموس الكلمات المكروهة، هو السياقُ التاريخيّ الذي استخدمت فيه، فأصبح كلّ شخص يتبع بشكلٍ متعنّتٍ طائفةً معينةً، يُنعتُ بالطائفيّ. وكلمة "مُتعنّت" هي المفتاح هنا، فالطائفي المُتعنّت هو الذي يرفض الطوائفَ الأخرى وينتهك حقوقها أو يُكسِبُ طائفتَه تلك الحقوق التي لغيرها تعاليًا عليها أو تجاهلًا لها وتعصّبا ضدها، وكما هو معروفٌ، فإنّ العصبية القبلية ما هي إلّا دليلٌ على الجهلِ الذي امتازت به القبائلُ في الماضي، فكان فُلانٌ ينصُرُ أخيه ظالمًا كان أم مظلومًا، دون استخدام العقلِ أو الرجوع إلى الفطنة ليأخذ العدلُ مجراه. وهذا الأمرُ مرفوضٌ بتاتًا! فلولا التقدّمُ واتّفاق البشرية على ضرورة وضع القوانين، لتحوّلَ العالمُ إلى غابةٍ كبيرة، البقاءُ فيها من نصيبِ الأقوى.
يتبيّنُ من هذا الرصد التاريخي القاموسي الموجز، أن الواقعَ يُحمّلُ الكلمةَ معانيَ فوق طاقتها، نتيجة استخدامنا لها بشكلٍ عشوائيٍ غير سليم، فمن مميزات الإنسان العاقل أن ينتقيَ كلماتهُ فتتكوّنُ منها لوحةٌ متكاملة، تطربُ إليها الآذان، أمّا ما هو غير ذلك، فلا يرقى لأن يؤخذَ بعين الاعتبار. هذا تمامًا ما على الإنسان فعله حين يصطدم بكلماتٍ مُزعجة كتلك التي قرأها معظمنا قبل أيّام، فتجاهُلُ تلك الكلمات هو الحلّ الأنسب، والتجاهلُ هنا بمعنى عدم التأويل وليس بمعنى الاستخفاف بطاقة هذا الكاتب الشريرة، وأنا أقصد هنا أن لا نأخذ الكلمات إلى أبعادٍ تشملُ أناس لا ذنب لهم ولا يمتّون للقائل بصلة، هذا من ناحية، أمّا من الناحية الأخرى فأنا أنادي بضرورة الردّ على القائل ومكافحته تمامًا كما نكافح الأمراض والإدمان من الأمور السيئة، لنستأصلهُ من جذوره فلا يبقى منه شيء.
المحافظة على بلدنا نظيفة طاهرة ومقدّسة
كلُّ ما أتمناه هو أن نُحافظ على بلدنا نظيفة، طاهرة ومقدّسة، وأن نبتعد عن تشويه ماضينا بكلّ ما يحمله من عبق أجدادنا وأوليائنا، وحاضرنا بكلّ ما يفوحُ من شغفٍ واشتياقٍ للفرح والسعادة، ومستقبلنا الحالم ليعيش أبناؤنا بسلام... لنتفكّر ولو لبرهةٍ بما تقعُ عليه عيوننا، ونتذكّر دومًا هلالَنا المُسلم وصليبَنا المسيحي، شيخنا وخورينا، جامعنا وكنيستنا، فالدينُ وُجِدَ ليحفظَ قدسية أرواحنا من انشغالاتنا الدنيوية، لا لنلوّثهُ بكلّ ما أوتينا من طاقةٍ مريضةٍ على الكره وتعذيب الآخرين.
لنتذكّر أنّ ما يقولُ فلان، لا يعبّر إلّا عن نفسه ولا يشملُ غيره، وليكن الردُّ نابعٌ عن أخلاق، فهو تعبيرٌ عن الذات قبل أن يكون موجّهًا إلى الآخر. وأمنيتي للعام الجديد، أن ينعمَ الناسُ براحة البال والسلام والهدوء، بعيدًا عن كلّ ما قد يُنغّصُ حياتهم، أو قد يُثير الفِتَن، لنعيشَ هانئين كما عاش أجدادُنا سويةً على الرغم من انتماءاتهم المختلفة... فالأديانُ تدعو لاحترام بعضها البعض، ولمساندة أحمد لبشارة، وجولييت لفاطمة في السرّاء والضرّاء، طالما يرفرف علمُ العدلِ والمحبّة في سماءِ الدنيا، فكيف لو استطاعت سبعة حروفٍ أن تختصر الدنيا بكلمةٍ واحدة "الناصرة".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio