د. سامي ميعاري في مقاله :
إنهم سماسرة وكلاء معتمدون لدى الوكالة اليهودية يستحثون الخطى لبيع ما تبقى من الوطن وهذا الموضوع آخذ في الاستفحال والتعمق، وأصبح مأزقاً وقنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع العربي الذي هو بأمس الحاجة لما يدعم صموده ويعزز قوته في مواجهة الأخطار المحدقة به، وهذا ما يدفعني إلى إعادة تناول الموضوع من زوايا جديدة ومحاور متنوعة مستمداً ذلك من وحي يوم الأرض الخالد
كثير من الأزواج الشابة يستعصي عليها بناء بيت أو تملكه في مجتمع لا يرحب ولا يميل إلى البناء متعدد الطوابق، ولا يرغب في التوسع العمودي، بل هو ميّال إلى التوسع الأُفقي: أي بناء البيت المستقل كما هي طبيعة المجتمعات القروية
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });في الثلاثين من آذار يتباكى الناس على ما فات، لكنني أستلهم الذكرى للتحذير مما هو آت. فما حدث نعرفه ونستذكره .. مصادرة الأرض وشرارة سخنين التي أشعلت الوسط العربي الفلسطيني وارتقاء الشهداء الخالدين... لكن الذكرى يجب أن توقظ فينا ما هو أخطر مما مضى على الرغم من قسوته ومرارته فالقادم سيكون أكثر من يوم الأرض إذا استمر المتآمرون في مؤامراتهم وإذا ظلت الجماهير صامتة إزاء من يبيعون أرضنا بمساحات أوسع من تلك التي كانت يوم الأرض عام ستة وسبعين من القرن الماضي.
إنهم سماسرة وكلاء معتمدون لدى الوكالة اليهودية يستحثون الخطى لبيع ما تبقى من الوطن وهذا الموضوع آخذ في الاستفحال والتعمق، وأصبح مأزقاً وقنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع العربي الذي هو بأمس الحاجة لما يدعم صموده ويعزز قوته في مواجهة الأخطار المحدقة به، وهذا ما يدفعني إلى إعادة تناول الموضوع من زوايا جديدة ومحاور متنوعة مستمداً ذلك من وحي يوم الأرض الخالد.
فالمجتمع العربي في الداخل الفلسطيني ينمو بشكل سريع، ويُعَدُّ مجتمعاً فتياً لأن الجيل حتى فئة العشرين عاماً يشكل الحصة الكبرى من تعداد سكانه، ما يستوجب في الأصل أن يرافقه نمو في مخصصات الأراضي والبناء للأزواج الشابة التي تنوي بدء حياة زوجية جديدة، ولكن مع مرور الوقت نجد بأن البناء العمراني في مجتمعنا غير متكافئ مع النمو السكاني فيه، ولا يلبي الحدّ الأدنى من متطلباته... على عكس ما عليه الحال في المجتمع اليهودي.
وكثير من الأزواج الشابة يستعصي عليها بناء بيت أو تملكه في مجتمع لا يرحب ولا يميل إلى البناء متعدد الطوابق، ولا يرغب في التوسع العمودي، بل هو ميّال إلى التوسع الأُفقي: أي بناء البيت المستقل كما هي طبيعة المجتمعات القروية.
والشاب الذي يملك قطعة أرض فإنه لا ينعم بها للبناء، لأن دائرة أراضي إسرائيل تمنعه من البناء فيها تحت ذريعة أنها لا تنتمي إلى مسطح نفوذ البلد الكائنة فيه. ومن المعلوم بأن سياسة دائرة أراضي إسرائيل تقوم على عدم تخصيص أراض من أجل البناء المدني والصناعي بل تتعداه إلى مصادرة تلك الأراضي العربية لصالح نفوذ مجمعات يهودية تحيط بالبلدات العربية وتطوقها.
فهذه السياسات والإجراءات ودور المتواطئين معها يقضم من أرضنا يومياً ما يفوق تلك التي صودرت في ستة وسبعين وهو ما يجعل يوم الأرض متجدداً ومستمراً.
فمن بين الخطوط العريضة لدائرة أراضي إسرائيل استخدام سماسرة أقزام تعطيهم مجموعة من قطع الأراضي يتصرفون بها بشكل منفرد، ويقررون أسعارها بشكل منفرد أيضاً، ليصبح سعر نصف الدونم أغلى بكثير من نظيره في أوروبا، فيعمل هؤلاء الأقزام على تثبيط عزيمة فئة الشاب الطامحة لحياة زوجية واجتماعية واقتصادية مستقرة تحت لهيب الأسعار الفاحشة... فيلجأ الشباب إلى الهجرة من قراهم إلى المدن، ويكونون هم الضحية طبعاً لتلك السياسة العنصرية التي تهدم رغبتهم في الحياة وتقض مضاجعهم وتبدّد أحلامهم المستقبلية.
كما أن لهذه السياسة العنصرية البغيضة التي ينفذها السماسرة المأجورون أبعاداً خطيرة على النمو الاقتصادي للبلدات العربية: من عدم توفير أراض للمناطق العربية فالتوسع السكاني الذي لا يرافقه توسع عمراني يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي.
وفي هذا السياق نرزح تحت غياب شبه كامل للمؤسسات الرسمية والسلطات المحلية العربية إزاء تلك السياسة العنصرية ودور السماسرة فيها.
بل ومن المدهش أحياناً أن نرى مجالس محلية عربية تكرم وتقدر جهود أولئك الأقزام السماسرة متناسين الدور القذر الذي يلعبونه وتجارتهم غير الوطنية التي تمس بمستقبل المجتمع العربي كله، كما تغيب مؤسسات المجتمع المدني واللجان الشعبية عن المشهد المحاصر بألسنة العنصرية وأدواتها فلم نَرَ حتى اللحظة أيّاً منهم نظّم أو دعا إلى تنظيم مظاهرة ضد هؤلاء... تجار الأرض الذين قال عنهم شاعر فلسطين الراحل ( إبراهيم طوقان):
في يدينا بقية من بلادٍ ........ فاستريحوا كي لا تضيع البقيةْ
لم يقم مجلس محلي بتشكيل هيئة محلية مهنية لمقاومة غلاء الأسعار الفاحش وكأنهم لا يشعرون بأنه لا وطن ولا مستقبل يفتح لنا ذراعيه بدون الأرض.
لماذا لا نقوم بمقاطعة السماسرة اجتماعياً واقتصادياً وتصنيفهم كمنبوذين وطنيا؟
لماذا لا نحرك ساكناً في مواجهة الاقتلاع من أرضنا؟
إن المضمون الذي قام عليه الفكر الأيديولوجي للحركة الصهيونية تمثل في الشعار التاريخي لديهم: ( أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض).
والذي يُنْعِمُ النّظر في هذا الشعار يجد بأنه اقتصادي بحت، مستوحى من المشاريع الاستيطانية الأُوروبية التي قامت على ثنائية الرواد والأرض الحرة: فالرواد هم الأوروبيون الذين ضاقت بهم قارتهم ولم تعد تقدم لهم الفرص الاقتصادية، والأرض الحرة هي أرض الاستيطان الشاسعة التي ليس لها تكلفة .
وكذلك اتكأت النظرة الصهيونية على النظر إلى الأرض وسكانها العرب الفلسطينيين بالمنظور نفسه، ونحن في الوسط العربي لسنا بعد قرن من الزمان بمنأى عن تلك النظرة الاستعمارية، ولكن العار يكمن في أن يقوم بعض أبناء جلدتنا بخدمة تلك المآرب البغيضة مقابل منافعهم الشخصية الدنيئة.
فما هو الغرس الذي يغرسونه لأبنائهم في المستقبل؟
وما هي السيرة التي ستخلدهم بعد أن تنقضي حياتهم؟
وما هو المشروع الذي يحملونه لنا إزاء هذه السياسة العفنة في الثراء المحرم؟
وإلى متى يظل أُولو الأمر صامتين مكتوفي الأيادي أمام هذه الشرذمة التي تقتلع بدل أن تغرس؟
وتهدم بدل أن تبني؟
إلى كل هؤلاء أقول: تداركوا الأمر قبل فوات الأوان، وقبل أن نصبح لاجئين مجدداً ونحن أصحاب الأرض التي شهدت الحضارات والرسالات والتقاء جميع القارات... فهل من سبيل إلى نهضة ووقفة وطنية تاريخية تنقذ ما تبقى في أيدينا من تراب؟؟؟؟!!!!
وإنه لأمرٌ مفزع ومخزٍ أن تجد من أمثال هؤلاء الشرذمة سماسرة الأراضي يتزاحمون في الصفوف الأُولى في مظاهرات ذكرى يوم الأرض ، ومن المعيب والمخجل أن يُسمَح لأمثالهم أن يتزعموا حدثاً تاريخياً مثل ذكرى يوم الأرض...
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio