مقالات

المرحلة الأخطر: انفلات الروس والإيرانيين والأسد/ بقلم: عبدالوهاب بدرخان

كل العرب 08:16 14/07 |
حمَل تطبيق كل العرب

عبدالوهاب بدرخان في مقاله:

الإدارة الأميركية الحالية فشلت في فرض تصوّرها الأساسي وهو أن تتوازى المرحلة الانتقالية في الحل السياسي مع التركيز على محاربة «داعش»

document.BridIframeBurst=true;

var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });

صادرت مواقف حلفائها وأصدقائها وقصرت المبادرات على تفاهمها مع الروس فإذا تعطّل التفاهم تتعطّل المفاوضات، وإذا تعذّر أمريكا التنسيق كما هي حاله اليوم فإن الشعب السوري هو مَن يدفع الثمن

أثبتت شهور طويلة من التعامل مع خططٍ لإنهاء الصراع في سورية تماسك محور روسيا - إيران - نظام بشار الأسد، وتمسّكه بشروطه للحل السياسي من جهة، وامتلاكه بديلًا هو الحل العسكري من جهة أخرى، مستندًا إلى اختلال ميزان القوى لمصلحته، وبالتالي عدم اكتراثه بالكلفة البشرية والاقتصادية والعمرانية. وفيما يشاطره المحور الآخر عدم الاكتراث هذا، فإنه يكاد يقتصر على الولايات المتحدة، وحدها عمليًا، وهي متخبّطة ومُربكة، سواء بخياراتها ومصالحها أو بتناقضات لا حصر لها مع حلفاء وأصدقاء، يشعرون أحيانًا كثيرة بأنها متواطئة مع روسيا أو مع إيران ومع النظام، والأسوأ أنها كلّما لوّحت وتلوّح بتنازلات للحصول على «صفقة/ اتفاق» تجد أن موسكو تأخذ تلك التنازلات على أنها مكاسب ولا تلبث أن تخدعها فلا تعطي شيئًا في المقابل. مردّ ذلك إلى أن «الدب الروسي» مدرك أنه يتساوم في سورية مع «أميركا بلا أسنان»، وما دامت كذلك فهي في نظره رهانٌ خاسرٌ لمن يعوّلون عليها ولا يحقّ لها أن تحصل على شيء. لكنها أميركا مختلفة في مكان آخر: أوروبا.

لم يكن مُستغرَبًا، إذًا، أن يخفق التنسيق والتعاون بين موسكو وواشنطن، ويبدو تشدّد حلف الأطلسي في ملفّيَن (روسيا والإرهاب) وعزمه على تعزيز وجوده العسكري في شرق أوروبا بمثابة تفسير لهذا الإخفاق. ذلك أن شروط الروس لقتال مشترك ضد تنظيمي «داعش» و »جبهة النصرة» (بعد فصلٍ غير واقعي للمعارضة «المعتدلة» عنها)، كذلك شروطهم للحل السياسي، رُسمت بهدف التعجيز والضغط على الأميركيين كي يخفّفوا ضغوطهم الأطلسية. وعلى رغم أن الطرفين يبديان ارتياحًا إلى المعادلة القائمة، إلا أنهما يخوضان صراعًا حادًّا يركّز فيه «الناتو» وأميركا على استكمال منظومة الدفاع الأوروبي، أما فلاديمير بوتين فيعتبر أنه كسب أوراقًا مهمة في أوكرانيا وفرض أمرًا واقعًا (تقسيميًا) لا يمكن تغييره إلا بالقوّة. لكن ما يربحه بوتين في سورية لم يساعده على التخلص من الكلفة الباهظة للعقوبات الأميركية والأوروبية ولم يمكّنه بعد من إقلاق خصومه، فالأطلسي وأميركا لا يمانعان انشغاله في الساحة السورية التي لا يريدان دخولها. وفي تقديرهما أن روسيا محكومة بثلاثة محدّدات: لا تستطيع إنهاء هذه الأزمة وحدها أو مع النظامين الإيراني والسوري، ولا تستطيع فرض حلٍّ بشروطها وحدها فهي تحتاج إلى «الشريك» الأميركي، ولا تستطيع إجراء مقايضات بين أوكرانيا وسورية حتى لو قدّمت تنازلات جوهرية.

لكن حتى أميركا - أوباما لا تعمل لتخسر في سورية، وإنْ لم تكن لديها المقوّمات ولا السياسات المساعدة لتربح. وإذا كانت ترفض الإنضواء في سياسة تقودها روسيا، بل تصرّ على المشاركة في القيادة، إلا أنها اختارت للعمل العسكري على الأرض طرقًا خاطئة أو ملتبسة حدّت من جدوى لعبها السياسي على الطاولة. وفي الأساس، لو لم تكن هناك معارضة مقاتلة لما استطاعت أميركا حتى أن تكون طرفًا في المساومة، لكنها فشلت دائمًا، حتى عندما كانت تحسن تشخيص الأخطار، في اتخاذ القرارات المناسبة. إذ لم يعد أحد يصدّق أنها تساند أي معارضة للنظام، منذ البداية كانت لديها مشكلة في مناصرة الشعب السوري، على رغم الادّعاءات المعاكسة. لم تدعم حماية سلميته ثم استاءت من عسكرة ثورته، ثم فرّطت بالفرصة التي شكّلها «الجيش الحرّ»، فلم تساعده على الصمود ليكون سندًا لأي حل سياسي، ولم تشأ الاعتماد عليه في صدّ اختراقات المجموعات الإرهابية أو في محاربة تنظيم «داعش». لذلك ساهم غموضها وتردّدها وتقلّبها أولًا في تشظّي هذا الجيش إلى فصائل، وثانيًا في تقوية حجة روسيا، إذ تبنّت ادّعاء نظام الأسد بأن كل مَن يحاربونه «إرهابيون» بل قاربت دخول اتفاقات تبيح لروسيا وحلفائها تصفية المعارضة.

كانت المراهنة الأميركية على تعاون مع روسيا مفهومة في بعض المراحل، خصوصًا أن الطرفين أكّدا دائمًا أن «لا حلّ عسكريًا» في سورية. أما عدم المراهنة الأميركية على الشعب السوري فكان ولا يزال خطًا فادحًا أمكن واشنطن أن تلمسه على أرض الواقع، لكنها اكتفت برؤية الواقع الآخر الذي يمثّله «داعش» وتمسّكت به باعتباره ذريعة وجودها في شمال سورية، كما أنه أتاح لها استنباط قوة برّية تستخدمها في محاربة الإرهاب. وعلى رغم أن واشنطن تعرف أن الاعتماد على الأكراد يراكم مشكلة إضافية إلى تعقيدات الوضع السوري، إلا أنها أصرّت عليه، بل تجاهلت وأفشلت عمدًا كل مشاريعها لتدريب وتجهيز عناصر من «الجيش الحرّ»، مفضّلة ضمّ مجموعات وصفتها بـ «العربية» إلى الوحدات الكردية، من قبيل التعمية وليس الجدّية في محاربة الإرهاب.

لكن موسكو عرّضت واشنطن لاختبارات عدة مخيّبة: إذ اتخذت أولًا من علاقة نظام الأسد مع الوحدات الكردية وسيلة للانفتاح عليها واختراقها والتدخّل في عملياتها ضد «داعش»، فضلًا عن اباء الدعم لها في طموحاتها القومية، ما أدّى إلى مفاقمة تهميش العنصر «العربي» في «قوات سورية الديموقراطية». ثم إن موسكو استغلّت، ثانيًا، تلكؤ الأميركيين في التنسيق العسكري فأغارت مقاتلاتها على موقع التنف وأبادت عمليًا فرقة استحوذت عليه فجأة، وأُعلن أنها تسمّى «قوات سورية الجديدة» المشكّلة من عسكريين منشقّين أُخضعوا لتدريبات أميركية - بريطانية. كما تمكّنت موسكو، ثالثًا، من اجتذاب إسرائيل إلى خطّها وإظهار انحيازها إلى نظام الأسد، ومن التنسيق مع إسرائيل لاجتذاب تركيا إلى خيارات سورية مختلفة. أخيرًا وليس آخرًا، نقضت موسكو تعهّدات سابقة بالنسبة إلى حلب وشرعت، حتى قبل إخفاق التنسيق مع واشنطن، في التغطية الجوية لقوات النظام والميليشيات الإيرانية خلال عملياتها لمحاصرة المناطق وقضمها.

يحصر الأميركيون اهتمامهم حاليًا بمحاربة «داعش» والإعداد لمعركة الرقّة، لكن تجربة منبج تضطرّهم إلى إعادة النظر في خططهم وتفحّص القوات التي تنفّذها من دون أن تكون لديهم بدائل. ويبدو الروس والإيرانيون والأسد كأنهم تركوا رقعة «داعش» للأميركيين موقنين بأنها ستعود إليهم في نهاية المطاف. وكما في العراق، كذلك في سورية، يرفض الأميركيون الاعتراف بحقيقة التلازم الأسدي - «الداعشي» والإيراني - «الداعشي»، وعلى رغم أن واشنطن أوحت في وقت سابق بأنها مدركة أن هذا مثلثٌ مترابط الأضلاع، إلا أنها لم تتوصّل في العراق حتى الآن إلى ترجمة إضعاف «داعش» تعزيزًا للدولة العراقية وتحجيمًا للهيمنة الإيرانية، بل تتواكب هزائم التنظيم مع استفحال نفوذ طهران واستشراسه، ولا مبالغة في توقّع النتيجة ذاتها للنظام وحلفائه في سورية ولن يعني ذلك بطبيعة الحال حفاظًا على الدولة ومؤسساتها.

تبدى فشل الإدارة الأميركية الحالية في ثلاثة اتجاهات على الأقل: الأول في عجزها عن فرض تصوّرها الأساسي وهو أن تتوازى المرحلة الانتقالية في الحل السياسي مع التركيز على محاربة «داعش». والثاني في مهادنتها الروس والإيرانيين ونظام الأسد، إلى حدٍّ أتاح لهم تحقيق معظم أهدافهم على حساب المعارضة والدول التي تدعمها. والثالث في كونها صادرت مواقف حلفائها وأصدقائها وقصرت المبادرات على تفاهمها مع الروس، فإذا تعطّل التفاهم تتعطّل المفاوضات، وإذا تعذّر التنسيق كما هي حاله اليوم فإن الشعب السوري هو مَن يدفع الثمن. وهذا لا يمنع الروس والإيرانيين والأسد من الانفلات والبحث عن «انتصارات»، قبل انتهاء ولاية أوباما، كي يقدّمونها على أنها «حاسمة»، وحتى لو استطاعوا الحصول عليها فإنهم لن يتوصّلوا إلى أي حسم ضد الشعب، أو إلى نهاية للصراع على النحو الذي يتصورونه. قد يتوصّلون إلى تغيير بعض الوقائع قبل أن تستخلص الإدارة الأميركية المقبلة خيارات جديدة من ركام العبث الذي خلفه أوباما.

نقلا عن الحياة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة المستخدم. هل تسمح؟

عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا

الخامس +1 234 56 78

فاكس: +1 876 54 32

البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio