الطالبتان المغدورتان سوار قبلاوي وآية مصاروة
جرائم القتل غير مُقتصرة التنفيذ على الغرباء وهذا أسوأ ما في الأمر وأخطره، حادثتان مؤسفتان راحت ضحيتاها شابتان مرّة كان القاتل غريب وأخرى وللأسف قريب
تكدّست جرائم القتل في مخيّلاتنا، ولم تعد مساحات الحزن والغضب كافية لجميع الضّحايا ذكورًا كانوا أم إناثا، فأصبحنا نتحرّك في مكاننا نكتُب نستنكر وننتظر بترقّب وفزع الضّحيّة القادمة. لكن لوقع ضحايا القتل من طالبات الجامعات آثار انكبّت بكل سوئها على مجتمعنا العربي ونبشت الكثير من الأفكار السوداويّة والظالمة التي طفت على الأسطح وعرّت حقيقة الكثيرين. ويبدو أن قضيّة الطالبة المغدورة في استراليا آية مصاروة قد فتحت باب الموت على مصراعيه، وفتّحت العيون على طالباتنا اللاتي يدرسن في الخارج! ليصبح الموت يلاحقهنّ أينما ذهبن هنا وهناك.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });
منذ مطلع العام الحالي 4 عيون انطفأ نورهنّ، رحلت ابتسامتان، وعشرات الأحلام تبخّرت لأنّ أحدهم قرّر ذلك ففعل. زهرتان تغرّبتا عن دفء بيوتهما باحثتان عن العلم عن الذّات، كانتا في طريقهما لتحقيقه حيث فتحت لهما أبواب الأمل لمستقبل أكثر إشراقًا، ولكن أيادي الغدر كانت أقرب وأسرع للنّيل من هذه الأحلام التي دُفنت معهما إلى الأبد.
طالبتان بعُمر الورد رحلتا ظُلمًا كُل همّهما كان السّعي وراء الأحلام في أي مكان في هذا العالم البائس، الطّالبة آية مصاروة ابنة باقة الغربية ركضت وراء حلمها في استراليا فعادت إلى مسقط رأسها جثّة هامدة بعد أن قتلها مُجرم استرالي في الغُربة، الطّالبة سوار قبلاوي ابنة أم الفحم كانت على بعد خطوات قليلة من تحقيق حلمها في الطّب ولكنّ مُجرما (المشتبهان والدها وشقيقها) حرمها ذلك وأعادها بصندوق خشبي من تركيا إلى البلاد.
جرائم القتل غير مُقتصرة التنفيذ على الغرباء وهذا أسوأ ما في الأمر وأخطره، حادثتان مؤسفتان راحت ضحيتاها شابتان مرّة كان القاتل غريب وأخرى وللأسف قريب، جرائم القتل هذه ما هي إلا وصمة عار في جبين مجتمعنا.
علينا ان نكون فخورين بطالباتنا وبإنجازاتهن، ومنحهن كلّ الثّقة للوصول حيث تشاء أحلامهن. على كُل أب وأم مسؤولية حماية أبنائهم وبناتهم وأن يكونوا مصدرًا للأمان والملجأ في كل عثرة تعترض طريقهم ومعالجة كُل مشكلة بحُب لا بعُنف.
كيف يكون وقع خبر مقتل طالبة على طالبة أخرى؟ كيف تنظر الطّالبات إلى مثل هذه الجرائم؟ وأسئلة أخرى ستجيب عنها طالبات جامعيّات في تقريرنا هذا.
"السؤال الأوّل الذي يخطر ببالي عندما أسمع عن مقتل طالبة، هو لماذا؟ بعدها أفكار تأخذني حول هذه الطالبة التي سلبت منها حياتها، أتساءل ما أحلامها وما الأهداف التي كانت تسعى للوصول إليها، أرسم شغفها في خيالي، أقارن أحلامها بأحلامي. ثمّ تبدأ أفكار الخوف والقلق في أن يصيبني ما أصابها تتملّكني، أشعر حينها بعدم امان ويشتت الموضوع أفكاري وإيقاع يومي. تخيفني فعلًا هذه الحوادث لأنها ليست بسيطة وتحدث مع أي فتاة ويمكن أن تحدث معي، منذ وقوع جريمة الطالبة اية مصاروة في استراليا وأنا أشعر بالقلق الشديد بالرغم من وجودي في مدينة تعتبر آمنة، لكن شعورا مثل هذا يلاحقني دومًا عند مقتل فتاة مغتربة.
"كفى"
أقوال المجتمع التي تلومنا لا تهمّني حقًّا، هي تعبّر عن رأي أصحابها فقط والبيئة التي تربوا فيها، هم لا يعلمون ما الأسباب الحقيقية والعميقة التي جعلتنا نختار أن ندرس خارج البلاد، أنا شخصيا لا أسمح أن يؤثّر علي أي رأي سلبي فيما يخصّ دراستي خارج البلاد، ولكني أشعر بالحزن على الطالبات التي تدينهم هذه الأقوال وتؤثر عليهن سلبا، لا يجب أن نعطي مثل هذه الأفكار والآراء أي أهمية، فلدينا أسبابنا ولدينا أحلامنا وطموحاتنا التي نسعى لتحقيقها. لدي الكثير ما يُقال بداخلي لكنّي سأكتفي بكلمة "كفى" لكل من تسوّل له نفسه أن يتلفّظ بكلمات وعبارات لا تليق، وكفى لهذه الجرائم.
أوجه كلمتي الأخيرة للطالبات ولكل أنثى، لا تدعي أحدًا يقتل شغفك وحلمك، ولا تدعي عادات وتقاليد جاهلة تتحكم بحياتك وتضعك بين قوالب تناسبهم فقط، لا تهتمي لأقوال الناس فأنت تعرفين ذاتك، كوني قوية وشجاعة، فالقوة والشجاعة هما سلاحينا للاستمرار في هذا المجتمع الوحش".
"أنا أستنكر كل أنواع العنف ضد أي شخص، ولكن تصنيف المرأة ككائن مستضعف في المجتمع الذي نعيش به يجعلنا في الغالب كإناث مركّزات على قضايا قتل النساء أكثر من الجرائم الأخرى. أحاول البحث عن أسباب أو حجج تستدعي هذا العنف ضد النساء لا أجد، كيف يمكن لشخص أن يرى شقيقته أو أمه أو أي أنثى في حياته أقل منه شأنًا لمجرّد أنّه ولد ذكرًا وهي أنثى؟ الانثى هي كائن مستقل تماما مثل الرّجل ولا يحق لأي شخص أن يستضعفها أو أن يقلل منها مهما كان.
في البداية كنت أشعر بضيق كبير بعد سماع خبر مقتل أنثى، لكنّي اليوم مثل أي شخص آخر، أشعر بخوف وترقّب، على من سيكون الدّور القادم؟ بالرّغم من دعم عائلتي وإيمانهم بي إلا أني قد أكون أنا، فما يحدث أمر مخيف وقد ترى أي أنثى نفسها بمكان الضحايا. من المؤسف أن تصبح فكرة الموت أو القتل فكرة اعتدنا على رؤيتها يوميا بيننا فنفرغ عن غضبنا قليلا ثمّ ننسى وكأنّ شيئا لم يكن لكثرة جرائم القتل!
"مقابل كل أنثى تُقتل تُعنّف العشرات"
أنا طالبة، أخرج من منزلي يوميًّا طلبا للعلم، وأهدف دائمًا لأن يكون والداي فخورين بي وأن يرفعا رأسيهما عاليا بي، نحن كطالبات عربيات سواء كنّا في البلاد أو خارجها، نتواجد ببيئة قد تكون مختلفة عنّا إلى حدّ ما وصعبة وجديدة، نضطر أن نجتهد بشكل مضاعف كي نصل إلى غاياتنا، فليس من السّهل علينا أن ندرس ونجتهد ونسهر الليالي كي نتفوّق وفي النّهاية بعد كلّ هذا التّعب نُقتل! في هذا الأمر لا يضيع شخص فقط بل تضيع أحلام وأفكار وعائلة. من المؤسف أنّه مقابل كل أنثى تُقتل هناك العشرات وربّما المئات يُعنّفن ويبقين صامتات، لكل الطالبات والإناث أقول، لا تخفن من أي شيء، ولا تسمحن لأنفسكنّ أن تشعرن ولو للحظة بأنكنّ مستضعفات، أنتنّ قويّات بما يكفي لتكنّ بأفضل مكان، من حق كل أنثى أن تعيش وأن تحقق أحلامها وأهدافها وهذا أهم بكثير من الصّمت، قرري أن تكوني في مكان أفضل، ولا تسكتي عن حقّك مهما كلّفك الأمر، فحياتك هي أغلى ما تملكين وليس من حقّ أي شخص سلبك إيّاها".
"عند سماعي أي خبر عن جريمة قتل وبالذات قتل طالبة، في البداية لا أتقبّل الخبر وأحاول أن أكذّبه، وحتّى إن صدّقت وقوعه، أحاول بكل الطّرق أن أقول ربّما لم تمت ربّما لا زالت تُصارع على حياتها، حتّى أستسلم في النّهاية للخبر المفجع الذي يعلن عن وفاة الضّحية، مثل هذه الأخبار تقهرني وتخيفني، بالذّات إذا كان القاتل هو أحد أفراد عائلة المغدورة، أين نعيش وما أسباب حدوث كل هذه الجرائم؟ لا إجابة!!
"قد أجتمع بالقاتل في أي مكان"
تبدأ صور الضّحايا بالانتشار في كلّ مكان، حتّى أراها، أخاف، هؤلاء الشابات الطالبات، كان لديهن أحلام وطموحات، اعتقدن أنه سيأتي الغد خطّطن لبكرة ولم يأت، لا أعتقد أنّ هناك ألم وقهر أكثر من هذا، والمفزع أكثر أنّي أعيش في مجتمع قد ألتقي بالقاتل في كل لحظة، عند محطة الحافلات، في المستشفى في الكلّيّة حتّى في أي مكان يمكن أن أجتمع بالقاتل، وهذا الأمر يؤرقني ويخيفني ويشكّل تهديدا حقيقيا بالنّسبة لي، فلم يعد هناك امان حقيقي نشعر به حولنا. لا بُد وأن أتطرّق إلى أنّ الطالبات والشابات وكل امرأة تقتل، تُقتل لأنها امرأة لأنّ هناك الكثير من الأفكار المسبقة والتي تحكم على كل شخص وفقا لجنسه في مجتمعنا، هذه الأفكار يجب أن تُحذف من قاموسنا جميعا، فالأنثى لا تختلف عن الذكر، ومن غير المسموح لأي ذكر ان يوكّل نفسه سيّدًا عليها وأن يسمح لنفسه بالاعتداء عليها متى شاء، أنا ضد القتل بكل أشكاله، ووقعه على نفسيتي يكون سلبي جدًّا ويكون له تأثير لفترة طويلة، وقد يأخذني التّفكير بأن أكون أنا مكانها يومًا.
علينا ان نتحرّك لأنّ جرائم القتل بتفاقم وبازدياد، لا يمكننا أن نبقى ساكتين هكذا منتظرين الضحية القادمة، بأحيان كثيرة أشعر بالعجز وأشعر أني غير قادرة على فعل أي شيء من شأنه أن يمنع الجريمة القادمة، ولكنّي أحاول جاهدة أن أغير الفكرة في كل نقاش يدور حول الموضوع، فما يضايق حقًّا هو أن يكون أشخاص قريبين من بيئتك يتساءلون حول تصرّفات الشابة المغدورة وكأنها حجّة تبرر الجريمة، لا شيء يبرر أي جريمة قتل، وليس لأحد أن يحدد لنا ما هو الصحيح وما هو الخاطئ، نحن لسنا في غابة، يجب أن نبدأ بأنفسنا، وأن نساهم برفع مفاهيم التّربية التي تؤكّد على حق أي إنسان في أن يعيش وأن يحقق ما يريده دون رادع من أحد ودون أن يخطط أو يفكّر عنه أحد، فالإنسان أولًا.
وأخيرا، نصيحتي لكل الطالبات، لا تخافي ولا تجعلي هذه القصص المأساوية تؤثّر على عطائك وتحقيق أحلامك وطموحك، لا تستسلمي ولا تسمحي لأحد أن يحصر تفكيرك داخل مربّع، أنت تستطيعين أن تكوني في أماكن مهمة جدًّا وأن تتفوّقي بها، احلمي وانطلقي وإذا شعرت يومًا بأي خطر توجّهي لأي شخص يمكن أن يساعدك أو لأي مؤسسة تسمعك وتوجّهك، ولكن إياك أن تلتزمي الصّمت. آمل من كل قلبي أن نعيش بأمان وأن يتلاشى خوفنا من جريمة لاحقة وأن نحقق ذواتنا بكُل هدوء ودون أن نشعر بأي تهديد".
* "لا تحدث الثورات فى الخفاء، الثورة والكتابة كلتاهما لا تعرف السرية.. حطمي قفل الدرج واكتبي في النور، اغضبي وثوري ولا تستكيني" نوال السعداوي.
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio