توجّهت إليّ صديقة قديمة، لم أرها منذ سنوات عديدة، حدّثتني هاتفيًّا، وبعد أن ذكّرتني بنفسها، قالت لي: أنا أتابعك وأعرف أنّك تتعاملين بالأدب وتنشري قصصك في عدّة أماكن...
سكتت للحظة ثم استأنفت: هل بإمكاننا اللقاء والتحدث وجها لوجه؟
بعد أن اتفقنا على اللقاء وأنا مستهجنة طلبها، خاصّة أنها ربطت اللقاء بكوني كاتبة قصص. أخذت أتساءل: ماذا تريد مني؟ هل هناك قصّة معينة مسّتها شخصيًّا دون أن أدري؟
راجعت ذاكرتي الضعيفة، لكنّني لم أتذكر أنها كانت محور إحداها، فهي لم تخطر ببالي أبدًا، ولم تكن بيننا قصصًا مثيرة تستأهل الكتابة، كانت بيننا مجرّد صداقة عابرة.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });في النهاية التقينا، وبدون مقدمات، قالت: كتبت خاطرة، وأريدك أن تنشريها لي.
أخرجت من حقيبتها بعض الأوراق وناولتني إيّاها وقالت اقرئيها وسنتكلم فيما بعد.
وهذا ما جاء في أوراقها، المنمقة وبخط جميل:
***
إلى الذين يعرفون قبلة المُحب المشتاق في أرض النساء.
وإلى الذين لا يعرفونها.
إن حكايتي خاصّة جدًّا.
(ل. أ)
***
أعرّفكم قبل كلّ شيء أنّني لست بطلة.
وأنا أكره الأبطال. لأنني أتهرّب من مواجهة الخصوم، ربّما لأنّني جبانة أو وحيدة، ولأنّني ما زلت أبحث عن العناق والحب والفرح.
اليوم سأنتقم.
سأعرّيك وأعرّي نفسي.
ليقفز الذنب من عينيّ ويصبغ خدّي حتى الأذنين.
***
قال لها وقناع الحزن على وجهه:
- لا أحد يفهمني، لا أحد يقدر الحياة التي أعيشها مع امرأة بليدة لا تعي شيء من الحياة. لا تسألني أين أذهب، ومتى أعود ومن أرافق وما أحبّ وما لا أحبّ. غبيّة زوجتي، ثقافتها لا تتعدّى الا تنظيف البيت والطبخ. أنا مسؤول عن كلّ شيء في البيت من الطعام واللباس والأولاد، وهي حتّى لا تعرف الطريق من باب البيت إلى بقالة الحارة. آخ ثم آخ... من يرانا معًا ومن الوهلة الأولى إلا ويشعر بعدم التكافؤ بيننا. يا رب خلصني من هذا العذاب اليومي، فكل ليلة أضع زجاجة الويسكي أمامي وسط المائدة أدق بها كأسي وأشرب حتى يستخفّني الطرب. وأنام على وجهي طب.
سألته لمياء وقد برقت عينيّها:
- إذا لِما تزوجتها؟
أجاب مُسبّلا أجفانه ومُتمتمًا بكلمات غير مسموعة:
- لأنّها من بيت فلان الفلاني وهم عائلة مقتدرة ذات حسب ونسب وهذه كانت مشورة والدي.
اقتربت لمياء منه ومسّدت شعره بأناملها الصغيرة قائلة:
- شعرت بحزنك في أحشائي، فأنا مثلك أربّي أربعة صغار بعد أن هجرني زوجي ولاذ لأحضان عشيقته وبقيت مع أطفالي مكويّة بنار الشوق لرجل يمد لي الأمل. عرفت بأن القدر لن يتركني، وبعثك إليّ أيّها الغالي.
ثمّ ضحكتْ وقالت:
- أبهج ما أذكر حين التقيت بك، حيث أحب على التلّة، وفي الوادي، وخلف الشجرة والصخرة والنبعة وهذه الأماكن تشهد حين أمسكت يداي الاثنتين وانهلت بتقبيلهم وقلت لي: "ابقي بجانبي... أحبيني حتى عامي السبعين"... كنت مجذوبة لك، مأخوذة إلى عالم آخر محمولة بين الحسّ والوهم والحقيقة والخيال وبين الصح والخطأ والضحك والبكاء... تفجّرت ينابيع شوقي واغرقتنا معًا. عاودنا الجولة مرّة أخرى وبعد عدة لقاءات من الوصل، بدأت تتأفّف وأنا في أعلى ذروتي سحبت السلّم من تحت قدماي. رجوتك ألا تقطعني وقطعت حبل الوصل بيننا، فلم توفّق بين عدة عشيقات وزوجة. اصطحبتني لقضاء بضع سويعات من السكر لتعود لأهل بيتك، وأنا أنوء بأكداس من الخيبة والانكسار والمرارة... عصرني الحزن، أخذت أروح وأجيء كنمر في قفص. فقدت بضع كيلوغرامات من وزني بعد خيانتك.
كلّ من حولي انتبه لعشقي، تلذذوا بمراقبتي وهم يقفزون حولي كالقرود وأنا غافلة عنهم واتخبّط كناقة عشواء حول نفسي... بت أنا رمز للسخرية بين أصدقاءنا الذين لاحظوا عشقي وشهوتي وركضي لاهثة وراءك ككلب ضائع بلذّة ساديّة. وفضحتني، لمّا أخبرتهم عن جوعي وعن وحدة الليالي وبرد سريري.
هذه كانت أهون الهيّنات.
***
اليوم سأنتقم.
لا تنهوني.
لن استجيب لكم.
تأججت نقمة التلاعب بمشاعري من جديد. ترى نفسك بطلا لنجاحك بالتواصل مع النساء، وترى نصب عينيك أمك كيف ترى ابنها أي ديك هو بين الدجاجات.
البطولة أيها الرعديد! أنا أعرف من أي شيء تتألف. طبعًا الجرأة المخلوطة بالكذب وهو ملح الرجال أمثالك والاستهانة بمشاعر الآخرين والاستهانة بأرواح الناس بما فيها روحك كما تفعل، ولا تنسى المبادئ والمُثُل والدهاء فهي بهار الابطال.
عند اللزوم، أو بمحض الصدفة، لن أخفي عنك يا فارسي المغوار. لقد شمتُّ جدًّا عندما توفّت أم زوجتك. شمتّ بموتها لأنّني أعرف بأن فراقها أحزنك وهي سهرت على رعايتك ورعاية أبناءك وزوجتك.
***
اليومَ سأنتقم.
سأصارحك بحقيقتي الفجة.
في صباح يوم شامس من هذا الشتاء، التقيت بأبنتك، راقبت حركاتها وسكناتها كما راقبوني سابقًا. تلتفت حولها حائرة ومتخبّطة بكراكيشها مثلي. هذا أثلج صدري. رأيت معاناتها كمعانتي فهناك شاب آخر عكّر صفو عيشها. ما زالت صغيرة المسكينة. أساءوا اليها كما أسئت اليّ وها هي في سن الزواج وتطلب الحب ولا يأتي.
شمتّ. ضحكت بخبث.
***
اليومَ سأنتقم.
بلا عنعنات.
متسللة بين الفتحات ومتمسّحة بالذكريات.
كنت لي زبدة عمري وبلسم روحي. عاشرتك بلهفة ورفع كلفة. هربت اليك لتطفئ ظمأي بصورتك العنترية. ها هو صغيرك يتصل بك وانت معي في سابع سماء. سكرانة بخمرة عجيبة مغمورة بغبطة لم اذقها بحياتي. تتركني جانبًا كحمامة مذعورة وتردّ على مكالمة ابنك. تبرد مشاعري وتُثلج، فوضعت كفي على فمي وتنحنحت عاليًا لأنبّه نفسي واتساءل: أنّه حلم أو هو من رؤى السكر. اترك صغاري لأكون ملكك، وانت تقيّم صغيرك الذي لا يعرف القراءة والكتابة بعد أكثر مني. انبعثت النار من عينيّ وكأنّها نار فوّهة مسدس.
شمتُ كثيرًا بعدما سمعت بأنّ هذا الصغير كبر مختل بجسده وبات جامح يهوى المخدرات.
***
لن تنفعني الوحوحة.
ولا فرك الأكف.
اليومَ سأنتقم.
أرسلت إليك عشرات الرسائل الغرامية وكنت تقرأها على مرأى من زوجتك لتشعرها كم أنت مطلوب من النساء، وتتركني عارية أمامها. ولكنّك لم تحدّثها عن حرماني ومأساتي، فكانت زوجتك وأهلك ومن حولك ينظرون إليّ وكأنّني مومس لا أكثر ويدقّون لي على التنك منادين: جاءت الفاجرة. راحت العاهرة. وأعضعض أصابعي... يا جبل ما يهزك ريح.
***
ولكنّ الحكاية لم تنته.
اليومَ سأنتقم.
جلّ شأنكم.
قضيت معك أيام معدودة، لا تتجاوز أصابع يدك وكانت كشمس لم أرَ في حياتي أشدّ شعاعًا منها ولا أجمل ولا أبهج. أطلقت ساقيّ للريح وحططت في بيتي كما يحط العصفور في عُشه وحيدة بلون كلون المساء شاحبة وصامتة كصمته الكئيب.
على رِسْلِكُم.
اليومَ سأنتقم.
ولا أي وأوأة أو فأفأة أو لفلفة.
سأكون بطلة.
سأكتب عنك.
لكم.
***
بعد أن أنهيت قراءة ما كتبته صديقتي، نظرت إليها وقلت لها: هناك بعض الأخطاء اللغوية وبعض التناقضات، وأمور غير واضحة، لكنّني تفهمت مشاعرك، لذلك سأعمل على نشرها كما هي.
لم تصدّق ما سمعته مني، وكادت تطير من الفرح، وعلى الفور قالت: لا تؤاخذيني، نسيت أن أسألك إذا كنت ستشربين أو تأكلين شيء... هيّا نحتفل بلقائنا......
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio