فكرة الاحتلال والاستعباد والاستعمار ليست فكرة جديدة ولا إبداعية. فالتاريخ مليء بإمبراطوريات الرعب والتدمير والقتل والاغتصاب والسبي والحرق. فالقوي كان يأكل الضعيف، والدولة التي كان جيشها قوي وتستطيع أن تحتل الدول المجاورة لم تتردد لحظة واحدة في بسط سيطرتها بقوة السلاح على تلك الدول بدون رحمة أو شفقة، وكانوا يقتلون الصغير قبل الكبير ويصل بهم الإجرام لحرق مدن بأكملها بكل ما فيها من بشر ومأوى وشجر. ووصفت على سبيل المثال القوات المغولية في القرن الرابع عشر بـ"الموت الأسود"، لأنها كانت تمارس غزواتها بكثير من الدموية والقتل والدمار. وإن ما نشهده اليوم من حروب دموية مجرمة ضد الأبرياء في مختلف بقاع الأرض، وحتى في ظل وجود مواثيق الأمم المتحدة والقوانين الإنسانية الدولية وقوانين حقوق الإنسان، والتزييف المرافق لتلك الجرائم وطريقة تأريخها، لهو أكبر دليل على التزييف المستمر للحقائق، وأنّ التاريخ كان للأقوياء ولم يكن يرحم الضعفاء. وكان الكذب والغش والخداع والجشع هو الذي يحرك الجيوش، وليس الحق أو الحقوق أو العدل والعدالة. فجميع الملوك والحكام كانوا يطمعون دوما بتوسعة مساحة حكمهم لتزداد قوتهم وتزداد ثرواتهم.
وما يسميه المسلمون الحروب الصليبية، كان المسيحيون يسمونها الفتوحات الصليبية. والعكس صحيح، فما نسميه نحن الفتوحات الإسلامية ضد البيزنطيين والروم والفرس وغيرهم من الامم، كانت الشعوب الأخرى يسمونها الحروب الإسلامية أو الاحتلال الإسلامي أو الغزو الاسلامي. فكل جهة كان لها وجهة نظرها في الحروب ومسمياتها. ومن مسرح جغرافي إلى آخر، ومن فترة زمنية إلى أخرى، كانت تتعدد الأسباب للحروب "المقدسة" تحت شعار نشر الدين السمح، حيث يقتل الملايين بحجة نشر الحق ونصرة المظلومين. وكانت الحروب المقدسة تحدث في أحيانا كثيرة بين أتباع الدين الواحد، سواء المسلمين أم المسيحيين. فكم من حرب حدثت بين السنة والشيعة، وكم من حرب حصلت بين الكاثوليك والبروتستانت. والكل يدعو الآلهة لنصرته على الآخر، وبغض النظر من ينتصر فالنتيجة أن الملايين من الأبرياء يموتون ظلماً بلا سبب. وكما استخدمت الشعوب مصطلحات مضللة لشن الحروب على المسلمين، كذلك أساء بعض المسلمين كلمة الجهاد وتقسيم العالم إلى دار كفر ودار الإسلام. فمن الطبيعي أنه مهما امتد حكم المسلمين سيبقى هناك دار كفر ويستدعي ذلك مزيد من القتال والحروب الظالمة للجميع.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });وما زال العنف والدموية والوحشية تسود المشهد العالمي. فالحروب التي حدثت في آخر مائة عام فقط، بغض النظر عن مسبباتها ومسمياتها حصدت عشرات الملايين من القتلى. وما زالت هناك دول عظمى حتى يومنا هذا تدق طبول الحرب ومتعطشة للدماء والقتل والحروب، فقط لأطماع سياسية واقتصادية. وما زالت لغة القوة والبطش والانتقام والمجازر هي التي تحكم العالم وليست لغة المنطق والعقل والعدل والسلام. وكأننا يوماً لن ننتهي من هذا الظلم والجور والطغيان. وكأنه مكتوب للأجيال القادمة أن تعيش ذات المآسي التي عاشها آباءها وأجدادها. وكأن التاريخ يعيد نفسه، والاحداث تكرر ذاتها، حتى ولو في مناطق جغرافية مختلفة.
لذلك لا داعي من تجميل الأحداث، أو تخفيف وقعها على الجيل الجديد، فالحروب كانت حروب جشعة والاستعمار والاستعباد كان عملا إجراميا بحق الشعوب التي تم استعبادها بغض النظر عن الحجج الواهية والتبريرات التي لم تعد محتملة. والتاريخ بمعظمه أسود حالك، وظلم فاحش لا يجب الاستهداء به أو أخذه كمرجعية. بل يجب فضح التاريخ وفضح الجرائم والحروب والظلم الذي لحق بالشعوب، حتى لا تتكرر المآسي ولا يعيد التاريخ صناعة الظلم مرارا وتكرارا. يكفي ما حصل وليتوقف الظلم هنا في هذا الزمان، ولنستثمر في البحث العلمي وفي التقدم الطبي والعلاجي والتكنولوجي وفي الصناعات المتطورة التي تراعي البيئة، ولنستثمر في السلام وفي الحياة الكريمة للبشر وكل ما ينقذ الحياة بدل أن يقتلها. ولنبدأ عهداً جديدا بدون حروب مقدسة وبدون فتوحات صليبية وإسلامية ويهودية. ولنترك الشعوب تعيش بسلام مهما كانت معتقداتها ومبادئها، دون أن يتدخل أحد بهم وبما يؤمنون به. ولتتوقف كل الحروب، سواء كانت دينية أو غير دينية، وليتوقف كل العنف والقتل.
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio