هذا ما كتبته المربية الفاضلة الشاعرة سحر بيادسة، من مدينة باقة الغربية، كمقدمة لكتاب أقوال وحكم لذاكرة التَّاريخ، للشاعر الكاتب والمفكر الدكتور رافع حلبي من قرية دالية الكرمل.
مقدمة سحر بيادسة:
كتاب أقوال وحكم لذاكرة التَّاريخ، المقطوعات والتَّراتيل الموسيقية لِلُغَة الحياة، عنوان يفيض منه عطر الكلمات الفواح، وتتحدث فيه لغة الحياة بأمل لترتيب موسيقى الزمن الحر في كلِّ مكان وأوان، عنوان مباشر مفاجئ، يشدّ حدس القارئ لكشف ما وراء الكلمات، وما يختبئ بين السُّطور.
بدأ الكاتب الشاعر رافع حلبي وقال:
" بَعدَ مَخَافَةِ الله عَزَّ وَجَلْ، لَا تَخَفْ إِلَّا مِنْ أَعْمَالِ الحَاقِدِينَ وَالحَاسِدِينَ وَالفَاسِدِينْ."
كلمات جميلة لما فيها من نعمة مخافة الله تعالى، والحذر كلّ الحذر من الإنسان الَّذي تنطوي نفسه على الحقد والحسد والفساد، وعلينا كبني البشر كشفه والابتعاد عنه كلّ البعد، لأنه قد يكون السبب الرئيس لمشكلاتنا، ومشكلات الكثيرين من أبناء المجتمع.
قضى الكاتب الشاعر رافع الوقت الكثير، في كتابة ما تمليه عليه روحه وفكره النير من حكم وتراتيل وأقوال للغة الحياة، الَّتي يعتبرها مثله الأعلى، ولهذه التراتيل الموسيقية، قيمة كبرى في تفاصيل حياتنا اليومية، حيث تُوَجِّه هذه الحكم، أبناء مجتمعات أهل الأرض، وبدون استثناء، نحو قِيَم إنسانية عالمية، يا حبذا لو نستطيع الحياة بموجبها، فَتَطَرَّق الكاتب الشاعر إلى: الحقّ والصِّدق والسِّلم، والعدل والرحمة والمساواة، والحرية والعمل الصالح والإيثار، والتضحية والتقديم والعطاء، والحياة والموت وما بينهما، والصبر والمجد والنجاح، والإقبال على الخير، والإدبار عن الشر، كتب عن الطبيعة بما فيها من أرض ونبات وسماء، والثقافة والعلم والفلسفة، فالكثير من حكمه ترتقي بالقارئ لدرجة فلسفية عالية، كتب عن العادات والتقاليد والموت والذكريات، وكلها تدلنا على حكمة في هذه الحياة، من أجل بناء الوطن الخاص لحياة كريمة مشرِّفة، يملأها التآخي بين بني البشر جميعاً، وبهذا كشف لنا الكاتب عن نفسه الطَّيِّبة المُتواضعة النَّقيّة، وشخصيّته القيادية ولا أمدحه أبداً إن وصفتها بالعبقرية، وهي الّتي تشير في حكمتها للطريق الصواب القويم نحو مستقبل أفضل، من خلال كلمات ذات عمق فلسفي فكري، وبصيرة نفاذة، كتب الأديب من أرقى وأروع العبارات بجمال حضوره في كل التعابير والأفكار، وثمة شمس ساطعة في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب الرائع، شمسٌ ستنير دروب أجيال وراء أجيال، وستضيئ طرقات العقول المظلمة، وتغذي الأرواح الهائمة، بأفكار الكاتب العظيمة ووعيه ومحبته لكل العالم.
الكاتب الشَّاعر الدُّكتور رافع حلبي، لا يزال على حاله، بشجاعته يُحِبُّ الوقوف في الصف الأول، مهما كلف الأمر من تَحَمُّلِهِ جراح السِّهام، ويغرس دائماً بذور الخير والأمل والاستمرار، بروح صافية نقية لتنمو ببطء حتَّى يُكْتَشَفَ ثمر هذه البذور، وما حملت السنابل المليئة بالقمح، من فصول أبدية متجددة، ونور وهاج يضيء الظلمات، فيصل لجواهر القضايا الحياتية الإنسانية، بما فيه فائدة لجميع الشعوب والأمم حول العالم.
ذكر وقال:
" اقْتَلِعِ الشَّرَّ مـِنْ صَدْرِكَ، تـَحْصُدْهُ خَيـْراً مِنْ قُلوبِ الآخَرِينْ ".
وتحدث عن الصبر والتحدي والمثابرة، وعناوين الصمود في كل تجارب الحياة، فقال:
" مَنْ يَبْنِي ثَقَافَةً بِلَا بِيئَةٍ مُلَائِمَةٍ، كَمَنْ يَبْنِي دَوْلَةً بِلَا أَرْضٍ، وَشَعْبًا بِلَا وَطَنٍ ".
لم يتجاوز هذا الأديب الكاتب الشاعر ذا القامة الإنسانية الشامخة، قضية المرأة والأم، ودورها الأهم في بناء المجتمعات، فذكر النِّساء وسيِّدات المجتمع، بنقاء روحهن وبياض قلوبهن، كنيتهن حتَّى وإن كانت عروس بثوبها الأبيض حيث قال:
" المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ عِمادَ المُجتَمَعِ، وهي النُّورُ الأبَدِيُّ الذِّي يـُضِيءُ كُلُّ دُرُوبِ الخَيَرِ في طَرِيقِ الرَّجُلِ ".
انحنى قلمه للمرأة الصالحة وتضحيتها في سبيل الرجل، في وجهه البشوش الضاحك، حيث تحرك معها في كل الاتجاهات، فكاد قلبه أن يخرج من صدره فخراً بالمرأة فقال:
" المَرْأَةُ المُتَعَلِّمَةُ سِيَاجُ الوَطَنِ الحَامِي، لَا يَدْخُلُهُ البَاطِلُ مِنْ أَمَامِهِ أوْ خَلْفِهِ ".
غريب كيف حافظ هذا الأديب الرَّائع، على الاستقرار مثل الأشجار الباسقة، والجبال الشامخة، ونظر للسَّماء حيث تتمشى الغيوم في سمائنا الأسطورية، غيوم تأتي وتهرب، وحياتنا كمسرحية تدعي السِّلم والسَّلام، وتمارس الحرب الحمقى والظُّلم والاضطهاد، في أماكن كثيرة من عالمنا، ويحاول المؤلف جاهداً ها هنا، بفكره المنير الراسخ، إعطاءنا معنى آخر للإنسانية وكيفية وجودنا على هذه الأرض من أجل مواصلة مشوار الحياة.
لم نُخلق لنيأس، خُلقنا لنقف أمام الصِّعاب، أمام قوى الشَّرّ، لنتحدّى ولنقدّم الحبّ وننشر السّلام، لنحقق العدالة في ظلِّ الرَّحمة الّتي يجب أن تكون، عنواناً للإنسانية والإنسان فقال:
" أَتَمَنَّى مَعَ كُلِّ فَجرٍ جَديدٍ صَباحَ الخَيرِ وَالسَّعَادَةَ وَالمَحَبَّةَ لِكُلِّ العَالَمِ، وَلِكُلِّ أَهلِ الأَرْضِ الطَّيِّبِينَ ".
ليس في خطر الكاتب رافع حلبي، إلا الخير الَّذي امتزج في الذِّكريات، بكلِّ ما فيها من خيالات وأحلام، فكانت مجرد فكرة، تحولت إلى بذرة، سقاها واعتنى بها حتَّى خرجت براعمها، للحياة بين صفحات كتابه: أقوال وحكم لذاكرة التَّاريخ، المقطوعات والتَّراتيل الموسيقية للغة الحياة.
أنا لا أقول أن رافع حلبي، هو الوحيد الَّذي كتب بهذا النمط الفكري الثمين، وإنما هو تميز بطريقة طرحه للأمور، الفكرية العقلانية، الَّتي تفيد جميع أبناء المجتمعات، من أجل حاضر ناجح ومستقبل أنحج، يخدم الأجيال القادمة.
أشكر الأستاذ الكاتب الشاعر الظريف الراقي، الدكتور رافع حلبي على أنه اختارني لتقدمة كتابه الجميل، وزادني شرفًا طلبه أن أقدم لهذه الأقوال والحكم، وأتمنى له متابعة التألق بمزيد من العطاء والابداع كحكيم رائع راقي.