الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 24 / نوفمبر 14:02

التعلّم والعمل عن بعد..هل يخلق فرصًا للنساء العربيات أم يمنعها

بقلم: سوزان حسن ضاهر

سوزان حسن ضاهر
نُشر: 31/03/21 18:35,  حُتلن: 03:25

الشابة العربية تملك اطرا محدودة نوعا للاتطلاع عما يجري حولها ولتطوير مهاراتها الشخصية والمهنية واللتي كانت متاحة جدا نوعا ما من خلال خروجها للعمل والتعلم

مما لا شك فيه انه علينا ادراك معنى واسقاطات التسارع في الدخول اي سيرورة من اي نوع على مجتمع خاص يمشى بطريقته ووتيرته

- سوزان حسن ضاهر

التسارع في تذويت اليّات التعلّم عن بُعد والعمل من البيت.. هل خلقَ فرصة فعلا امام النساء العربيات ام انّه منعهن من فُرص ناهضنَ طويلا من اجل الحصول عليها؟!

في ظل ازمة الكورونا وتأثيراتها على الفرد والمجتمع من الناحية الاقتصادية والتشغيلية، يتطرّق العديد وقد كنت منهم في بداية الأمر الى الجوانب الايجابية للأزمة. فقد خلقت جوا وبيئة محفزّة لتنمية المهارات خاصة تلك التكنولوجية منها، وخاصة لدى فئات معينة من المجتمع كالمجتمع العربي والمجتمع اليهودي المتدين، اللذان تميزا نوعا ما بنقص مهارات تكنولوجية وشكلّت معطياته المُتدنيّة في اختبارات المهارات العالمية كاختبار PIAAC تحدي كبير وعائق امام الاندماج في سوق عمل ذو انتاجية عالية.

مع وصول جائحة الكورونا، دخول الانترنت لمعظم البيوت والحاجة الى تبني وتعلم طرق للتعلم وفي كثير من الاحيان العمل عن بُعد ومن البيت، الكثيرون انضموا الذاك المسار "الحداثي"، رغبة في مواكبة الجديد، بث الشعور لجهاز التعليم وللمشغل انهم جزء ممّن تبنّوا بنجاح المنظومة الجديدة ورغبة في الحفاظ على مكان العمل او التعليم في سوق مليء بالتحديات يُنادي بأهمية المهارات التكنولوجية. سوق عمل اثبت وبجدارة ان الفروع الاقتصادية والقطاعات اللتي حافظت على موظفيها، مدخولاتها وانتاجيتها العالية هي تلك القطاعات اللتي استطاعت تذويت وتطبيق اليات للعمل عن بعد، مثل قطاع الهايتك.

كيف تعاملت الفئات المتنوعّة، مع ذاك التغيير؟

كالعديد من الموظفيين، الباحثين عن عمل، الطلاب وغيره من فئات المجتمع، قامت الفئات المتنوعة، كنساء عربيات، شبان وشابات، رجال ونساء كبار في السن، افراد من المجتمع اليهودي المتدين بتبني تلك الاليات ومحاولة مجاراة متطلبات الفترة الحالية، بل وشهدت تسارع ملفت للانظار بتذويت وتحسين مهاراتها وكأن الازمة خلقت دافعا، بطريقة غير مخططة لتسريع دمجهم في هذا المسار الحداثي من تطوير المهارات.

اذكر جيدا تجربتي الشخصية، حيث دعيت في ديسمبر ٢٠١٩ الي القاء محاضرة لفتيات واستشاريين في احدى المشاريع في جوينت تيفيت عبر تطبيق الزووم (وكان حينها بالكاد معروف لدى العديد)، شارك باللقاء ٤٠ فتاة وكنا في غاية السعادة، قال الطاقم حينها: "من هنا يبدأ التغيير ويوما ما سنرى كل تلك الفتيات يعززون استخدام التكنولوجيا ويشاركون محاضرات عن بعد".
بعد ثلاثة اشهر فقط!! اذار ٢٠٢٠ مع بداية الازمة تمت دعوتي لمحاضرة اخرى لنفس الفئة، ولمفاجئتنا جميعا شارك بها اكثر من ٢٠٠٠ (نعم الفين) مشتركة واستشاري. تسارع كبير وارقام هائلة.

هل الصورة ورديّة لهذا الحد ام انها تستدعي تفكير اعمق؟

قد يبدو هذا التغيير وهذا التسارع ايجابيا وورديا، وقد يكون كذلك فعلا، فتطوير المهارات التكنولوجية والاندماج في المسارات الحداثية للعمل والتعلّم قد يخلق فرصا رائعة لتطوير الذات والعمل في مجالات عصرية كانت بعيدة جدا عن فئات معينة. قد يحل ذلك كثيرا من الصعويات التقنية التي تواجهها النساء العربيات او المحافظات اللواتي يرين صعوبة في العمل لساعات متاخرة خارج البيت، تنقصهن فرص للعمل في منطقة السكن، او حتى يرغبن في التعلم خارج البلاد ولا يستطعن لاسباب مختلفة.

ولكن!! وهي وجهة نظر شخصية، ترتكز على تحليل ذاتي وربما شخصي لا على معطيات وارقام مدروسة حاليا، الى اي مدى يُشكّل ذاك التسارع فرصة والى اي مدى يشكل "تهديد" ما او يمنع النساء من فرص كبيرة كانت متاحة لهم من خلال العمل والتعلم خارج البيت؟ هو تساؤل يطرح ذاته ويستدعينا جميعا للتفكير.


اية فرص من الممكن ان "تخسر" المرأة العربية في هذا "السباق"- سباق تكنولوجيا العمل والتعلّم عن بُعد؟!

لكل عُملة وجهان، والوجه الاخر لهذا السباق قد يكون مخيفا حقا. فعلى مدار الخمسة عشر عاما الاخيرة شهدنا ارتفاعا ملحوظا في نسب التعليم العالي لدى النساء العربيات، توجه مشجع جدا للتعليم الاكاديمي في كبرى الجامعات داخل وخارج والبلاد، كذلك شهدنا ارتفاع في نسب التشغيل فضلا للعديد من الجهود للمشاريع والخطط البنيوية والهيكلية التي صممت من اجل دفع النساء العربيات للخروج من البيت للعمل والتعلم. لكن، الفضل الحقيقي على تلك الانجازات يعود للمرأة ذاتها، لارادتها وتصميمها، اعوام كثيرة على مدارها ناهضت المرأة العربية بشتى الطرق، كأم، مربية، معلمة وصديقة حتى حصلت على "شرعية" خروجها من البيت. شرعية خروج المرأة من البيت لا زالت، ولدى العديد من النساء يشمل المتقدمات الناجحات وحتى الاداريات منهن، مبنية ومشروطة على الخروج لسبب مهني--- العمل، التعلم، مشاريع التطوير الذاتي وما الى ذلك.
معظم الفرص الحقيقية، للتعرف على العالم "الواسع" كامنة في لقاء جسدي مع الثقافة، المجتمع، البيئة المحيطة. السفر في القطارات، الاحتكاك ومخالطة الفئات المختلفة في الجامعات، المبيت في سكن الطلاب، مشاركة الاحباطات والانجازات للاخرين وجها لوجه، السفر لبعث خارج البلاد، التعرف على اماكن عمل ومناطق صناعية في المدن الكبيرة..كل تلك فرص تكمن في الخروج جسديا من البيت للتعلم او العمل.

قد يتسائل البعض، بماذا تختلف النساء العربيات عن الاخريات في هذا السياق. والاجابة برايي هو ان المراة العربية قد حصلت على تلك الفرص بعد "عناء" وربما "حروبات" معينة، وان تلك المنافذ هي منافذها القليلة ربما للتطور الذاتي في مجتمع تملأه الفروقات ولا يحوي عديدا من الفرص.
الشابة العربية تملك اطرا محدودة نوعا للاتطلاع عما يجري حولها ولتطوير مهاراتها الشخصية والمهنية واللتي كانت متاحة جدا نوعا ما من خلال خروجها للعمل والتعلم.


متى سيكون بامكاننا الحديث فعلا عن التعلم وعن العمل عن بعد كفرصة حقيقية للنساء العربيات؟

حين تصل النساء العربيات مرحلة من الاستقرار والامان الاجتماعي بمكانتهن وحين يصبح ما حاربن لاعوام من اجل الحصول عليه حقا طبيعا لا خلاف عليه، ولا حاجة لاثبات شرعيته بشكل مستمر. فقط في هذه الحالة، وحين تصل المرأة لحالة من الثقة بمكانتها ودورها كامراة منتجة متعلمة ومستقلة، لا تخاف من "الرجوع الى الخلف" اذا ما جلست امام حاسوبها في البيت لايام. لا اخفيكم وقد ترتكز مقالتي كما ذكرت سابقا على تحليل ذاتي وشخصي للموضوع، تسائلت كثيرا لماذا لا املك تلك الرغبة في العمل من البيت كما تملكها زميلتي من المجتمع اليهودي، فكانت اجابتي بعد تفكر عميق: ربما لاننا كنساء نخاف من "العودة" الى دور امهاتنا كربات بيوت فحسب يتوقع منا الاعتناء بامورع فقط،رغم اهمية وماهية هذا الدور،، او ربما لاننا نخاف ان نفقد شرعية خروجنا لجلسة عمل في مقهى مع زميل، او ربما لأننا سنفقد شرعية الاهتمام بالشكل الخارجي كما كنا نفعل حين كنا "نخرج" للعمل وربما وربما..
ولكن مما لا شك فيه انه علينا ادراك معنى واسقاطات التسارع في الدخول اي سيرورة من اي نوع على مجتمع خاص يمشى بطريقته ووتيرته.

دعوة لخطوة.. كامرأة/ شابة عربية ماذا علي ان افعل تجاه ذلك؟

كل شيء يبدأ في الوعي، التفكير العميق وطرح التساؤلات..بداية ماذا يثير ذاك الموضوع داخلي، والى اي مدى ان مدركة لاهمية تعلم اليات تكنولوجية وتذويت مهارات للعمل والتعلم عن بعد وفي ذات الوقت الى اي مدى انا مدركة للفرص اللتي من الممكن التخلي عنها او خسارتها اذا بقيت كامراة عربية بعيدة عن "الساحة" جسديا. فقد تلائم تلك المسارات الحداثية فئات محددة من النساء وفئات اخرى بشكل اقل.

خطوة للتفكير والتنفيذ، بناء خطة مدموجة "هيبريدية"، تشمل عمل من البيت لقسم من الاسبوع وعمل خارج البيت لقسم آخر من الاسبوع. خطة لتعلم بمساقات مدموجة كذلك والبحث عن اطر لتطوير الذات، مشاريع قيادة، تمكين، تطوع وما الى ذلك بحيث تكون مرتكزة على لقاءات وجها لوجه مع آخرين والاهم لقاء حي ووجها لوجه مع "الحياة" المجتمع وسوق العمل.


* سوزان حسن ضاهر -  مديرة قسم التخطيط الاستراتيجي ونائبة المدير العام في جوينت تيفيت 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com    
 

مقالات متعلقة