أنا مواطن من الدّرجة الثّالثة في هذه الدّولة الّتي جاءت اليّ وأنا طفل في السّابعة من عمري. كان اليهود الشّرقيّون الّذين جاءوا من دول المغرب العربيّ ومن اليمن والعراق ومصر وسوريا يحتلّون الدرجة الثّانيّة بعد اليهود الفوزفوز/الغربيّين فلمّا جاء الفلاشا دفشوهم الى الدّرجة الأولى وقعدوا مكانهم، وأمّا أنا فلا أحد ينافسني على درجتي الثّالثة حتّى هؤلاء المهاجرين غير اليهود الّذين جاءوا من شظايا الاتّحاد السّوفييتيّ، والتّمييز ضدّي "ماركة مسجّلة" لحكومات إسرائيل منذ حكومة دافيد بن غوريون حتّى حكومة ملك اسرائيل نتنياهو.
هناك، والحمدلله الّذي لا يحمد على مكروه سواه، تمييز ضدّي في جميع الوزارات والدّوائر، في جميع الميادين، حتّى في الهواء والماء، وطبعًا في التّراب. التّمييز يطلّ من كلّ مكان.
حدّثني، قبل سنوات، ابن الحقل والمحجر صديقي الأديب حنّا إبراهيم، رحمه الله، أنّ أحد أطفاله قال له: عندما أكبر سوف أصير يهوديًا، ففوجئ أبو إبراهيم وسأله: ولو.. لماذا؟ فأجابه: كي أكون سائق باص!!
يا لها من جملة بريئة ومؤلمة جدًّا، تصوّر حالتنا القاسيّة في الخمسينات والسّتّينات والسّبعينات من القرن الماضي.
في تلك السّنوات كان سائق الحافلة (الباص) وصاحب سيّارة الأجرة (التّاكسي) يهوديًّا وكان المواطن العربيّ يحتاج الى "مسكة زنّار" الحاكم العسكريّ ورشوة رجال المباي وجماعة الحكومة كي يفوز بوظيفة سائق باص في شركة "ايجد" أو يحصل على رقم سيّارة أجرة وعندئذٍ يتناقل النّاس الخبر من بلدة الى أخرى.
ومرّت الأيام.
مرّت ما مرّت، مرّت ما مرّت، وبقينا على الأرض والأرض اخضرّت، كما تقول اغنيتنا الشّعبيّة، وترك المواطنون اليهود الأعمال الشّاقة مثل البناء والقصارة والبلاط وتعبيد الشّوارع وتنظيفها وقيادة الباصات والتاكسيات والشاحنات... واحتلّها العرب!
عندما أضرب شعبنا في يوم الأرض الأوّل قال لي صديقي الشّاعر سالم جبران، رحمه الله: في هذا اليوم سوف يتشهّى المواطن اليهوديّ صحن الحمص ورغيف الفلافل!
ومنذ أمنيّة ابن ابي إبراهيم حتّى اليوم حقّق شعبنا الصّامد الباقي بفضل نضاله إنجازات عديدة ويحقّ لنا أن نرفع رؤوسنا في هذه الأيّام بعشرات آلاف طلابنا وطالباتنا في الجامعات، وبما أنجزه علماؤنا وأطبّاؤنا وكتّابنا وفنّانونا ومهندسونا ورياضيّونا و..و.. على الرغم من التّمييز البشع.
قرأت قبل أيّام أن نسبة الأطبّاء العرب في البلاد 17% ونسبة الممرّضات والممرّضين 24% ونسبة الصّيادلة 46% وأنّ عددًا محترمًا منهم يتولّى مراكز عالية ومن الطّبيعيّ الّا يفوز بذلك سوى المتفوّقين منهم.
هذا لا يعني أنّ التميّيز قد اختفى بل أؤكّد انّه ما زال معشّشًا في كلّ مكان حتّى في أجهزة الاعلام، ولا أعني الموظّفين أو العاملين فيها، معاذ الله، فهي لأولاد عمومتنا، بل أعني المساحة المخصّصة لأخبار خمس سكّان الدّولة.
تحتلّ أخبار الكورونا حصّة الأسد، ومن المعروف أنّ الأطّباء والممرّضات العرب يستبسلون في الفرقة الأولى من الجبهة ولكن كم طبيبًا عربيًّا شاهدنا على القنوات 11و12و13؟
فوجئت عندما شاهدت طبيبًا عربيًّا من قسم الكورونا في مستشفى العفولة مع زميله اليهوديّ في برنامج تلفزيونيّ وقلت: لعلّهم بدأوا "يستحون على دمهم"!.
أنا معتاد على التّمييز في كلّ مكان وعندما عدت من الخارج قبل سنوات مع صديقي د.نبيه القاسم ولم يفتّشونا في مطار اللّد قال لي: إمّا أنّ الحكومة تغيّرت وإمّا نحن تغيّرنا. فأجبته: نهج الحكومة لم يتغيّر، إمّا أن الموظّفين تعبون وامّا انّنا "ختيرنا" وما عادوا يحسبون لنا حسابًا. ما رأيك يا صديقي أن نصرخ: نحن عرب، تعالوا فتّشونا!!
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com